ماذا تفعل اوبك في سوق النفط وسط التوترات الجيوسياسية المستمرة ؟
خالد المنشاوي صحافي مختص في الشؤون الاقتصادية-
1٬540
مشاركة
عالم السياحة-اندبندت- مقالات اقتصادية:
وسط حالة من الضبابية، خيمت الخسائر على سوق النفط بعد جلسة دامية تكبد فيها خسائر بأكثر من 4% مع مخاوف تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
لكن في تعاملات أمس الخميس، قلصت السوق خسائرها ليرتفع خام “برنت” بنسبة 2.5 بالمئة مسجلاً مستوى 57.45 دولار، كما صعد خام “نايمكس” بنسبة 1.49 بالمئة إلى مستوى 52.58 دولار.
يأتي هذا الارتفاع مع تعافي الأسواق العالمية وسط هدوء نسبي للمخاوف التجارية، ومع بيانات اقتصادية قوية في الصين كشفت عن ارتفاع الصادرات بأكبر وتيرة منذ مارس (آذار) الماضي.
كما تلقى النفط دعماً قوياً بعد تقرير لوكالة “بلومبيرغ”، أشارت فيه إلى أن السعودية دخلت في محادثات مع منتجين آخرين لاتخاذ إجراء لوقف انخفاض أسعار النفط.
السعودية تعتزم إبقاء صادراتها عند أقل من 7 ملايين برميل يومياً
ووفقاً لوكالة “بلومبيرغ”، قال مسؤول نفطي سعودي إن السعودية تعتزم إبقاء صادراتها من النفط الخام عند ما يقل عن 7 ملايين برميل يوميا في أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) المقبلين، على الرغم من قوة طلب العملاء للإسهام في تقليص مخزونات الخام العالمية وإعادة التوازن إلى السوق.
وقال إن مخصصات النفط من شركة “أرامكو” السعودية، والطلبات التي تقدمها شركات التكرير والعملاء لشراء الخام السعودي، مرتفعة في سبتمبر (أيلول)، في مؤشر على متانة الطلب العالمي على النفط.
وعلى الرغم من ذلك، يقول المسؤول إن السعودية ستُبقي إنتاجها النفطي عند ما يقل عن 10 ملايين برميل يوميا وتُبقي صادراتها دون 7 ملايين برميل يوميا في أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول)، وأضاف “الطلب عالميا أقوى، في جميع المناطق. لكننا نُبقي صادراتنا دون 7 ملايين برميل يومياً”.
وتابع “إذا لبينا طلب سبتمبر (أيلول) سننتج نحو 10.3 مليون برميل يوميا لأن الطلب مرتفع للغاية، لكننا قررنا إبقاء الإنتاج والصادرات مستقرين وخفض طلبات العملاء بمقدار 700 ألف برميل يومياً”.
ويبلغ المستوى المستهدف لإنتاج السعودية بموجب اتفاق لخفض الإنتاج أبرمته منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك”، وحلفاء في مجموعة معروفة باسم “أوبك+” نحو 10.3 مليون برميل يوميا.
وأوضح أن “السعودية ملتزمة بفعل كل ما يلزم لإبقاء السوق متوازنة في العام المقبل. نعتقد، بناء على اتصالات وثيقة مع الدول الأساسية في أوبك+، أنها ستفعل المثل”.
“العوامل الأساسية لسوق النفط جيدة، خصوصا على جانب العرض، بسبب مزيج من التزام قوي يفوق المطلوب من جانب أوبك+، وتوقعات للولايات المتحدة تقل عن التقديرات السابقة”، وفق ما ذكره المسؤول السعودي.
لجنة المراقبة تلتقي في أبو ظبي 12 سبتمبر
ومن المقرر أن تلتقي لجنة المراقبة الوزارية المشتركة لأوبك والمنتجين غير الأعضاء بالمنظمة في أبوظبي في 12 سبتمبر (أيلول) المقبل لمراجعة الوضع بسوق النفط واتخاذ توصيات تهدف إلى الحفاظ على توازن واستقرار أسواق النفط العالمية.
وقال وزير الطاقة الإماراتي، سهيل المزروعي، إن بلاده ستواصل دعم إجراءات لتحقيق التوازن في سوق النفط وإنه واثق من أن أوبك وشركاءها سيتخذون إجراءات مماثلة.
وذكر أن أساسيات السوق جيدة ومخزون النفط العالمي في انخفاض والطلب لا يزال في مستويات جيدة، على الرغم من تصحيح مؤقت في السوق تحركه المضاربات.
وأضاف “أنا واثق من أن أوبك+ ستواصل التزامها القوي بمستويات الإنتاج المتفق عليها في الاجتماع الأخير”.
كيف تتعامل “أوبك” مع هذه المتغيرات؟
وتشير التحركات الأخيرة والغموض الذي يكتنف مستقبل سوق النفط، إلى أن “أوبك” سوف تواجه مزيداً من الضغوط خلال الفترة المقبلة مع استمرار ارتفاع وتيرة التوترات الجيوسياسية.
وبحسب رؤية تحليلية نشرتها مدونة بنك الاستثمار “آي.إن.جي”، من المتوقع أن تؤدي تخفيضات أوبك ومنتجي الخام من خارجها دوراً جيداً في خفض المخزونات العالمية في الفترة المتبقية من هذا العام.
وبشكل عام، فإن الدول المشاركة في اتفاق خفض الإنتاج امتثلت بشكل مفرط للاتفاق، وهو ما يرجع بشكل كبير إلى السعودية، والتي يقل إنتاجها النفطي بنحو 500 ألف برميل يومياً عن الحصة المتفق عليها.
يأتي ذلك على الرغم من أن هناك منتجين آخرين مثل العراق ونيجيريا فشلوا في الامتثال لاتفاقية خفض مستويات إنتاج النفط.
وبموجب الاتفاقية، كان من المفترض أن تنتج العراق ما يزيد قليلاً على 4.5 مليون برميل يومياً، وهو أقل من مستوى 4.65 مليون برميل يومياً المسجل في شهر أكتوبر(تشرين الأول) لعام 2018، وهو الشهر المرجعي للتخفيضات.
ومع ذلك، فإن العراق قامت في الواقع بزيادة إنتاجها النفطي لتضخ في المتوسط 4.7 مليون برميل يومياً منذ بداية العام.
ولكن من شأن الامتثال القوي في المجمل لاتفاق خفض الإنتاج جنباً إلى جنب مع تراجع إمدادات النفط الإيرانية، بالإضافة إلى الطلب الموسمي المرتفع خلال الفترة الأخيرة من العام، أن يؤدي لتراجع المخزونات العالمية بنحو مليون برميل يومياً في الربع الثالث من عام 2019 وأكثر قليلاً من 700 ألف برميل يومياً بالربع الأخير من العام.
وبالتالي، لا يزال من المتوقع أن أسعار الخام يجب أن تتداول أعلى من المستويات الحالية، على الرغم من أنه في ظل بيئة الاقتصاد الكلي الحالية من المرجح أن يكون الطريق صعباً.
وتستمر فروق الأسعار عبر آجال التسليم المختلفة في الإشارة إلى سوق مادي أكثر تشدداً، ما يعني ارتفاع السعر كلما ابتعد أجل التسليم في إشارة إلى توقعات وجود عجز في المعروض. وأيضاً تستمر مخزونات النفط الأميركية في الانخفاض، حيث تراجعت لمدة سبعة أسابيع متتالية، مع انخفاض المخزونات بنحو 49 مليون برميل منذ أوائل يونيو (حزيران) وحتى الآن.
وتسبب ذلك في تعزيز سعر خام “نايمكس” مقارنة مع سعر خام “برنت”، مع تقلص الفجوة السعرية بين خام نايمكس الأميركي وخام برنت القياسي من أكثر من 7 دولارات للبرميل في أواخر شهر يوليو (تموز) الماضي إلى نحو 5 دولارات للبرميل في الوقت الحالي.
ما تأثير تضييق الفجوة بين سعر “برنت” و”نايمكس”؟
ويتوقع بنك الاستثمار “آي.إن.جي” أن تواصل المخزونات الأميركية من النفط الهبوط خلال الشهرين المقبلين، وهو ما يتماشى مع الاتجاهات الموسمية، ومع ذلك يجب مراقبة الصادرات الأميركية، حيث أن تضييق إضافي في الفجوة السعرية بين نايمكس وبرنت قد يؤدي إلى تباطؤ الصادرات.
ومع ذلك، يتغير التوازن بشكل كبير مع حلول عام 2020، ونتيجة لذلك عدّل بنك الاستثمار الهولندي توقعاته لأسعار الخام عن العام المقبل بالخفض.
وفي حين أن اتفاق “أوبك” والمنتجين من خارجها لخفض مستويات الإنتاج من المقرر أن يستمر حتى نهاية الربع الأول من العام 2020، إلا أن الطلب الموسمي الضعيف خلال الربع الأول من العام يعني أن التوازن العالمي يستعد لمواجهة تراكم كبير من المخزونات خلال تلك الفترة.
وهذا حتى مع افتراض أن السعودية ستبقي إنتاجها النفطي عند مستوى 9.8 مليون برميل يومياً خلال تلك الفترة، وهو أقل من حصتها بحوالي 500 ألف برميل يومياً.
ونتيجة للإمدادات النفطية القوية من قبل منتجي الخام من خارج “أوبك” والطلب الموسمي الضعيف، فإن تقديرات “آي.إن.جي” تشير إلى أن الطلب على إنتاج أوبك في الربع الأول سيكون في حدود 28 مليون برميل يومياً.
ويعتبر هذا المستوى أقل بمقدار 1.9 مليون برميل يومياً عن تقديرات إنتاج المجموعة في يوليو (تموز) الماضي، و1.2 مليون برميل يومياً أقل من توقعات البنك الحالية للربع الأول من عام 2020.
ويشير ذلك الوضع إلى أننا بحاجة إلى رؤية المزيد من الإجراءات من جانب “أوبك” ومنتجي الخام من غير الأعضاء.
وتكمن الخطوة الأولى في التأكد من امتثال كافة الأعضاء لاتفاقية خفض الإنتاج في الأقل، ثم النظر فيما إذا كانت هناك حاجة لإجراء تخفيضات أكبر خلال الربع الأول من عام 2020 من عدمه.
توقعات بفائض كبير في الربع الثاني من 2020
في الوقت الحالي، ووفقاً لرؤية بنك الاستثمار “آي.إن.جي”، وبالنظر إلى الاتفاق الذي سينتهي بنهاية الربع الأول من عام 2020، فإن سوق النفط مستعدة كذلك لرؤية فائض كبير في الربع الثاني من العام المقبل.
ونتيجة لذلك، من المرجح أن يضطر أعضاء في أوبك وخارجها إلى تمديد الاتفاقية الحالية حتى نهاية الربع الثاني من العام المقبل في الأقل، أو المخاطرة بهبوط أسعار الخام.
ومع ذلك، فمن المحتمل أن يُتخذ مثل هذا القرار فقط خلال اجتماع أوبك والمنتجين من خارج المنظمة في شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، كأقرب وقت على افتراض أن تحركات السوق لن تدفع نحو التحرك العاجل.
وبالنظر إلى عام 2020 بأكمله، فإن البنك الاستثماري يتوقع أن يبلغ الطلب على إنتاج أوبك النفطي 29.1 مليون برميل يومياً، وهو أقل بنحو 800 ألف برميل يومياً من تقديرات الإنتاج في يوليو (تموز) الماضي.
لكن من الواضح أن الضعف الحالي في سوق النفط يعكس المخاوف حيال نمو الطلب على الخام في بقية هذا العام وكذلك عام 2020، وخاصةً بالنظر إلى بيئة الاقتصاد الكلي الحالية وتصاعد حدة الحرب التجارية.
وتوجد درجة كبيرة من الشكوك المحيطة بتوقعات نمو الطلب مستقبلاً، حيث ترى وكالة الطاقة الدولية حالياً أن الطلب سوف ينمو بنحو 1.8 مليون برميل يومياً خلال النصف الثاني من هذا العام، وهو أعلى من 300 ألف برميل يومياً في الربع الأول من عام 2019 وبزيادة عن 800 ألف برميل يومياً في الربع الثاني من هذا العام.
وبالنظر إلى البيئة الكلية الحالية، فإن هذا الرقم قد يكون مبالغا فيه للغاية عند المقارنة مع بقية العام. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه كلما طال أمد الحرب التجارية كلما زادت المخاطر الهبوطية بشأن أرقام توقعات نمو الطلب على النفط والبالغة 1.4 مليون برميل يومياً في عام 2020.
ارتفاع كبير بمخزونات الغاز الطبيعي الأميركية
في سياق متصل، ارتفعت مخزونات الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة بأقل من تقديرات المحللين خلال الأسبوع الماضي.
وأظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، ارتفاع مخزونات الغاز الطبيعي بالولايات المتحدة بمقدار 55 مليار قدم مكعبة خلال الأسبوع المنتهي في 2 أغسطس (آب) الحالي، لتصل إلى 2689 مليار قدم مكعبة، مقارنة مع الأسبوع السابق له.
وكانت توقعات المحللين تشير إلى مخزونات الغاز الطبيعي بالولايات المتحدة سوف ترتفع بنحو 61 مليار قدم مكعبة خلال الأسبوع الماضي.
وعلى أساس سنوي، ارتفعت مخزونات الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة بمقدار 343 مليار قدم مكعبة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي