في جازان جنوب غربي السعودية، يقطن “زيلعي محمد” وأسرته في بيته الواقع في جزيرة فرسان بجوار متحفه البحري، الذي أصبح مزارا سياحيا يقصده السائح والمقيم. زيلعي الذي لطالما هجس بجمع القطع الأثرية؛ يرى أن في التحف البحرية تعبيراً عن أرضه وبيئته، باعتبار أن الموروث صوتٌ لمن لا لسان له، ومرآة حقيقية لمن عدموا الملامح جرّاء عوامل التاريخ.
في منزله بجزيرة فرسان زرناه ليحكي لنا قصة الشغف القديم، الذي تنامى طوال ثمانية عشر عاما، وهو يحيل من منزله تحفة فنية تهفو إليها أفئدة الزوار الراغبين بالاطلاع على الكائنات البحرية التي تم تحنيطها، بالإضافة إلى المنتجات المكوّنة من الأصداف والقواقع البحرية التي تشكّل لوحة فنية مفعمةً بالحياة.
التقينا زيلعي محمد الذي قال: “شكّلت شواطئ جزر فرسان مصدر إلهام لي، حيث تعودت على التجول فيها مع العائلة، وممارسة هواية الصيد مع الأصدقاء، وحينذاك كنت أصادف وجود الكثير من القواقع والشعاب المرجانية، والكائنات البحرية المثيرة للاهتمام، تأملت كثيرا في جمالها، ثم بدأت في جمعها وإحضارها للمنزل لتنظيفها ومن ثمَّ عرضها، إذْ كنت أمتلك شغفا متزايدا بفكرة الحفاظ على التراث واستحضاره، إلى أن خصصت جزءاً من منزلي ليكون متحفا شخصيا يحوي كل ما جمعته عن طريق الصيد والالتقاط، أو ما اقتنيته بالشراء من قبل الصيّادين”.
ويعد المتحف البحري بمحافظة فرسان الوحيد في السعودية من حيث نوعه ومعروضاته، بالإضافة إلى أنه مرخص من قبل الجهات المعنية كمتحف خاص، وحاصل على عدة شهادات لمشاركاته المحلية في مهرجانيّ سوق عكاظ، والجنادرية وغيرهما، وحسب مالك المتحف فإن عدد القطع تصل إلى ما يزيد على 5 آلاف قطعة، إلا أنه لم يتمكن من عرض كافة القطع في المتحف لمحدودية مساحته
البدايات الصعبة
لم تكن الطريق ممهدة لبطل حكاية المتحف البحري بجازان، إذ واجه صعوبات كثيرة في انطلاق مشروعه؛ حيث يؤكد أنه لم يجد تشجيعا من المجتمع، بل قوبلت فكرته بالاستهانة والسخرية، ويرجع السبب في ذلك إلى “عدم إدراك الناس في تلك الحقبة لأهمية حفظ هذه المقتينات واستعراضها، بينما كان يجد تقبلا كبيرا من قبل السياح القادمين من خارج المنطقة الذين لطالما استمتعوا بالتجول في أرجاء المعرض، واقتناء بعض القطع المميزة”.
أعوام من الشغف
على مدى 18 عاما ظل الزيلعي مسكونا بالمتحف البحري والارتقاء به، في اهتمام غير معهود بالتراث البحري، رغم البون الشاسع بين المسيرة الوظيفية له، وبين موقعه الحالي كمهتم بالتراث، حيث عمل في بدايات حياته صحافيا لثلاث سنوات، ومديرا لمحمية فرسان وعدة مواقع وظيفية، يقول الزيلعي: “العمل المهني وحصيلتي الإدارية انعكستا على تجربتي في تأسيس المتحف، وساعدني ذلك على تطويره من خلال المساهمة في انتشاره، وضمان استدامته”.
لم يكتفِ المتحف باستعراض الشعاب المرجانية والقواقع وغيرها، وإنما توسع نشاطه ليشمل عملية التحنيط للكائنات البحرية التي يُقدَّر أعمار بعضها بمئات السنين، وأضاف هذا قيمة كبيرة إلى المتحف، حيث يُدهش زوار المتحف بالسلاحف البحرية الضخمة التي تستقبلهم، فضلا عن مجموعة كبيرة من الكائنات البحرية الأخرى.
يقول مؤسس المتحف: “عندما أتحدث عن المتحف البحري لا أتحدث عني باعتباري مؤسسا له؛ إنما يتركز الحديث عن إرث رائع أعتز بتوثيقه، هو عمل صعب لم أكن أستطيع إنجازه لولا الجهود الكبيرة التي قامت بها زوجتي “أم وحيد” بمساندتها لي في هذا المشروع”. يستطرد: “فخور أن لدي زوجة مثلها فهذه اللوحات الفنية والتشكيلات الإبداعية من القواقع والشعب المرجانية التي تزيّن المتحف كلها نتاج مخيلتها الخصبة”.
يأمل زيلعي في التحول الأخير الذي تضمّن نقل قطاع التراث من جهاز السياحة في السعودية إلى وزارة الثقافة في أن ينتشل المتحف البحري، ويعيد إليه الحياة، إذ تأتي وزارة الثقافة بعدة قطاعات جديدة منها قطاع المتاحف.
يُذكر أن وزارة الثقافة وقّعت مع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، مذكرة تفاهم لنقل قطاع التراث الوطني من الهيئة إلى الوزارة، وتتضمن المذكرة تشكيل لجنة مشتركة للعمل على تنفيذ المتطلبات المتعلقة بنقل قطاع التراث الوطني من الهيئة للوزارة خلال الفترة المقبلة، إسهاما في تحقيق رؤية 2030، وتنفيذاً لاستراتيجية الوزارة التي أطلقتها يوم السابع والعشرين من مارس (آذار) 2019.