جريدة عالم السياحة والاقتصاد، تهتم بصناعة السياحة باطيافها ، الشؤون الاقتصادية والبيئة والسياحة الدينية والمغامرة والسفر والطيران والضيافة

وهم الدراسة الجامعية والوظيفة بقلم : قصي النسور

2٬723

وهم الدراسة الجامعية والوظيفة
لجأ أغلب الأردنيين الى التعليم الجامعي في سعيهم لحصول أبنائهم على وظائف في الدولة ، هذا الكلام بدأ يتمحور بشكل “عنيف” مع نهايات الستينيات من القرن المنصرم ، وأستمر للأسف حتى يومنا هذا.
كانت في تلك الفترة للدولة سطوتها وهيبتها وكان الموظف فيها يستمد سطوته وهيبته من وظيفته ، كل ذلك كان لأن الناس ترسخ لديهم الحس بأن كل ما يحصلون عليه من الدولة هو منيّة و منحة ومكرمة ، وبالتالي فإن وجود موظف من العائلة سيتيح لها الحصول على الكثير من الامتيازات ، ودأبت العشائر على التفاخر بابنائها العاملين في مناصب عليا من الدولة ، وذلك لسهولة وصولهم الى مراكز صنع القرار من جهة ولظهور علامات الثراء عليهم من جهة أخرى ، ما كان أحد حتى يفكر بأن ” مِن أين لك هذا” … كان الإعتقاد بأن الدولة “مزراب” نقود لا ينضب .. او أننا كنا نعرف أنهم يسرقون الدولة ولم نكن نكترث ، فلم يكن أحد يفكر بأن الدولة هي أنا وأنت وأن هذا المسؤول لم يثرى الا بسرقتنا.
عموما ، كانت الدولة توظف الناس في تلك المراكز الحكومية من أصحاب التعليم العالي ، الذي كان مقتصرا على الأثرياء وعلى المتنفذين ، لكن المواطن الأردني أدرك أهمية التعليم في ذلك الوقت لغرض التوظيف في الحكومة والتنفع من مالها السايب أو للوصول الى مراكز صنع القرار لتحقيق مكتسبات على الأغلب “غير الشرعية”.
فماذا يفعل الراعي والمزارع ؟ ومن أين يقوم بدفع فاتورة التعليم؟ لم يجد الأردنيين سبيلا الا الاقتراض وبيع الاراضي وقطعان مواشيهم … كل ذلك كان مقبولا الى عشرين سنة خلت … حتى بدأت تظهر ملامح التخمة على الجهاز الحكومي من أعداد الموظفين والذي أصبح يشكل عبئا ثقيلا على كاهلها … الدولة لا تصرف على المشاريع عموما الا من خلال المساعدات ، وأيراداتها لا تكفي لدفع رواتب الموظفين غالبا.
بدأت تتراكم أعداد الخريجين ولا أحد ينتبه الى أن التعليم وهمٌ ، وأن ما كانت الشهادة الجامعية تفعله في ذلك الوقت ماعاد يجدي نفعا الان، وذلك لتضاعف أعداد الخريجين بل وتراكمهم.
من جهتها الدولة كانت – ولا زالت – تلجأ الى رفع الضرائب لتغطي النقص ، والموارد الطبيعية لم تقع بين يدي من يتق الله ، فالموظف الحكومي غالبا لازال بعقلية موظف الستينيات من القرن المنصرم ، يعتقد أن ما يؤديه من واجبات تجاه وظيفته هو منيّة ويستحق الشكر عليه.
الناس اليوم تدرك جيدا حقوقها ، وتعرف ان ما يقوم بهِ الوزير أو الخفير هو وظيفته و واجبه لكننا لم نستطع الى الان تعديل مفهوم التعليم الجامعي ليأخذ شكله الحقيقي وبعده الذي يستحق … تدرس أربع سنوات في تخصص معين وتدفع العائلة كل ما تملك ثم تكون النتيجة أن هناك تطبيق الكتروني ثمنه 500 دينار يقوم مقام 50 خريج جامعه ، بل أن التطبيق الالكتروني يتفوق عليهم ، فلا يحتاج الى اجازات مرضية ولا يعتذر عن العمل بسبب ردائة الطقس …!
أغلب التخصصات الجامعية ، تحتاج الى دورات خاصة بعد التخرج ، وفي الحقيقة فإن كل ما تحتاجه الوظيفة هو “هذهِ الدورة” وشهادتك الجامعية ما هي الا “مضيعة وقت” وكل المصاريف التي دفعتها والسنوات التي ضاعت خلالها .. كلها هباء ، وهذا يسبب إحباطا شديدا أراه يوميا في وجوه من أعرفهم من خريجين جامعيين في محيطي …
الحياة الجامعية جميلة ، والشهادة الجامعية أجمل .. لكن في مكانهما … ليس عدلا أن تكون “قد أبوك مرتين بالحجم” ولا زلت تطلب مصروفك منه، في دول الغرب ، والتعليم هناك في أغلبه مجاني ومع ذلك تجد أن الطالب يعمل ويدرس في نفس الوقت فهو على الأغلب أستقل عن أهله ولديه صديقه او زوجه يتشارك معها أعباء الحياة.
نحن بحاجة الى تغيير مفهوم التعليم الجامعي وبأسرع وقت ممكن.
“ها كيف لعاد”
قصي النسور