كتبت ردينه بطارسه بمناسبة يوم المرأة العالمي: هي .. والصابرات الوفيات
2٬583
مشاركة
حياتي.. تشبه الى حد كبير شوارع بلدتي التي غادرتها باكرا هذا الصباح لأحدثكم عن نفسي , مليئة بالحفر والمطبات , فيها كل أشكال التعطل والفرملة ، من يسلكها يتعرض لكل أنواع المخاطر ، تكلمت بصوت متهدج ونبرة تخفي حزن قديم ، فتاة ثلاثينية جميلة من بنات وادي الأردن، ذات جبين مشرق وكفين تحضنان بعضهما لتخفي إرتجافة وإرتباك ، أتت مدعوة للمشاركة في حفل نظمته أحد الجهات الداعمة للمرأة ، بمناسبة يوم المرأة العالمي , كانت آخر المتحدثات ,وضعوا ترتيبها كفقرة ختامية بعد صاحبات المعالي والعطوفة والسعادة …فكان حديثها مصدرا للحماس والبهجة ،جعل الجميع يصفقون …تعلمون لماذا ؟ لأنها ببساطة تحدثت بصدق ، دون أن تقرأ من ورق , كانت تصف مشوارها في طريق تحقيق أحلامها بالصعب والمتعب …ولكنها إختتمت بتبشيرنا بأنها حققت الكثير بدعم من رجال ونساء يؤمنون أن المرأة تصنع النجاح أينما كانت . كنت قد كتبت عن المرأة وعلى مدى سنوات في ذكرى يوم المرأة العالمي ، يومها الذي يصادف في آذار ، شهر البدايات الملونة وأناشيد الفراشات الفرحة ، شهر الأمومة والكرامة ،شهر التبتل والقيامة ، لكنني في هذا العام أحببت أن أكتب للغاليات الوفيات المجاهدات ، الصائمات عن الشكوى والتذمر , لا يملكن ترف الوقت ولا ترف الملبس ولا طمع المأكل والمشرب ، متابعات بصمت كل ما يحدث حولهن ، يمسحن بأكمام عباءتهن بحنية عرق رجالهن ، بإبتسامة خجولة يسلمن على الآباء الكادحين ، كطبيب بارع يعالجن الأقدام المتعبة من الركض وراء لقمة العيش طوال النهار ، يترفعن عن ذكر حاجيات البيت ولوازم الأولاد ونواقص كثيرة لإكتمال أنوثتهن , إليك أنت أكتب …أيتها المدبرة الصابرة ، من تقدر ضيق الحال وقلة المال ، من صمتت برفق وأجابت برضى …سلامتك ..كلشي موجود !! عند سؤالها ..عن حاجاتها !! هو يعلم أنها لا تملك فعليا ..هذا الكلشي ..الذي ذكرته …وهو متيقن أنه مقصر في توفير ما تحتاج هي وأسرتها …ولكنه في نفس الوقت يتمنى بحزن لو يستطيع . هناك في قرى جبال عجلون والشوبك والمزار والكرك والبلقاء الموغلة في البرودة ، وفي حرم بيوت الشعر الضاربة في أقاصي البادية في المفرق ومعان والموقرو ذيبان ، هناك في بيوتات الحجيرات الضيقة في كومة حواري المدن القديمة في عمان والزرقاء وإربد والسلط, هناك تحت ظلال سعفات نخيل الغور وزوايا بيارات ديرعلا وغور الصافي ، هناك تحت سقوف الزينكو والشوارع المقناة في مخيمات الصمود ، في كل هذه الأماكن تجدهن النشميات اللواتي أحب وأحترم ، من يستحقن تقبيل كفوفهن الخشنة والخدود المورده دون الحاجة لمساحيق التجميل باهضة الثمن ،يقفن إلى جانب أزواجهن وآباءهن في هذه الظروف الإقتصادية الصعبة التي تمر بها معظم العائلات في أردننا الحبيب ، وفيات لبيوتهن ، يتحملن قساوة الدنيا ويقدمن تضحيات كبيرة من أجل تعليم الأولاد وتوفير حياة الإكتفاء , لكل إمرأة منهن حكاية ، ولكل إمرأة منهن عرين وقلعة ، بنتها بدم وصبر ، وداومت تذود عنها وتحميها بجلد الى جانب رب أسرتها ، منهن من إمتلكت مهنة ومنهن من لازمت بيتها ، إما لعدم تمكنها من إكمال تعليمها أو من حملت الشهادة ولم تجد الوظيفة ، وفي الحالين كانت تدير بيتها بكل حنكة وتدبير ، لا تحتاج الى مستشارين وسكرتاريا , بفطرتها ورثت حسن التدبير والقدرة على التكيف مع الثوب العتيق والطبق نصف الممتلىء ، لكل هؤلاء الماجدات من نساء بلادي ، ألف تحية في يوم المرأة العالمي ، أعلم بأنهن لن يقرأن ما كتبت ، وقد لا يعنيهن ما كتبت ، ولكنني أكتب للأخريات ، الساكنات بعيدا عن كل ما ذكرت ، صاحبات البرامج اليومية ، من أولويات الأرستقراطية خاصتهن ، طبيب التجميل وأخصائية التغذية ومركز العناية بالبشرة ونادي تعليم اللغات وعشاء الخمس نجوم الخيري وحفلات السفارات والملتقيات ، لا أنكر ولا أتنكر أنني عاصرت الجانبين ، في مراحل حياتي ولكنني لن أنسى ولم أنسى أمي ، التي كانت من الصابرات المدبرات ، ربتنا ضمن أسرة كبيرة ، وبيت يقصده الضيوف والأحباب ، ودخل محدود لا يكفي نصف الإحتياجات ، ولكنها كانت لنا المنارة والداعمة والقلب الكبير وكانت لوالدي رحمه الله ، السند والأخت والأم والزوجة والإبنه ، كانت فرحتها بإبريق شاي وكأس واحدة يشرباها معا في ظل شجرة لوز في أرضهم ، تعادل العالم بأسره ، لم تكن أمي نادرة بين جاراتها ، فقد كانت نساء حارتنا متشابهات في التدبير والسكينة ، لكل منهن هالة ونور . إسمحوا لي أعزائي ونحن نحتفل بالماجدات في يوم المرأة العالمي ، أن أضع تاجا من أزهار اللوز على جبين كل نساء بلادي الصابرات المدبرات ، وأقبل أيديهن المباركات ، وأبعث تحية إجلال وإكبار لرجال بلادي الأوفياء ، الذين يتباهون بما قدمت الأمهات والزوجات والأخوات والبنات ، من يجبرون خواطرهن ويكونون الصدر الحنون والملجىء الحصين لهن ، وكل عام وأنتم جميعا بألف خير