د. نضال القطامين يكتب: لئلّا نوسعهم شتما ويمضوا بالإبل ..
بدأ الأمر في بازل منذ مئة عامٍ وتزيد. على رؤوس التلال والأشهاد، أقسم تيودور هيرتزل أن فلسطين هي وطن جلدته الجديد.
كيف كان بإمكان قميء مثله، أن يطعن التاريخ في الخاصرة، أن ينفث سمومه على أعالي التلال في مرج بن عامر وساحل الشرق الجميل الممتد من الكنعانية يافا وعكّا والجميلة حيفا حتى الرملة واللد.
كان الأمر أشبه بالمأساة، اليهود بكل قوتهم يحملون رسالة واحدة في التأثير على القوى السياسية والدول العظمى آنذاك، أمّا العرب، فبلا حول ولا قوة ولا دولة.
بعد خمسين عام من مؤتمر بازل، تحقق المشروع الصهيوني في إقامة كيانٍ على أرض عربية تاريخا وسكّاناً، بعد أن حملوا رسالتهم الغاصبة على روافع تزوير الدين وتحريف التاريخ.
منذ ذلك التاريخ، مروراً بالإعلان عن قيام دولة الكيان وحتى اليوم، لم يسجل العرب هدفاً سياسياً واحدا في شباك الخصم، ولكأنهم محكومون بهول الصدمة وتداعياتها. لقد نشبت حروب تلتها معاهدات، لكننا على ما يتضح من مخرجات، ما زلنا في مربع بازل الأول.
ولكي افسّر الرؤية في هذا السياق، سأشير إلى أن وضع الإقليم العربي سياسياً واقتصادياً، قد بقي أداؤه السياسي مرهون بالإضطراب منذ أن رحلت آخر جيوش الإستعمار، فأخذوا معهم نخوة المعتصم وتركوا البلاد العربية عرضة للفوضى ومسرحاً للإنقلابات العسكرية وارتقاء العسكر سدّة الحكم على ظهور الدبابات.
تبعاً لذلك، فلم يكن أداء الإقتصاد بمعزلٍ عن أداء السياسة. لقد بقيت شعوب العرب حتى يومنا هذا، تئن من ضنك الحياة، وفضلاً عن تلاشي الطبقة الوسطى في معايير تصنيف الفقر والغنى، فإن الإقطاع الذي خرج من الباب، قد عاد من النافذة متشحاً بثوب جديد.
لم يكن الأردن خارج هذه الوصايا “البازلية” على الإطلاق. حتى اليوم، ينظر المتشددين من أحفاد هرتزل وبن غوريون إلى شرق النهر كجزء من أرض الميعاد.
في قراءة سريعة للمشهد الإقتصادي الأردني، وللتراكم الهائل في الأزمة الإقتصادية، يبدو أن الماكنة الصهيونية تخطط لاستكمال مقررات مؤتمرها الأول، في تشريد العرب من فلسطين وإعادة توطينهم في البلاد المجاورة، فيما تبدو صفقة القرن كجزء من مسلسل هذا البناء الخبيث، فضلاً عن استكمال التحضيرات الأساسية له سواء بإنفاذ قانون يهودية الدولة في هذا الكيان، أو بصدور القرار الأمريكي بنقل السفارة للقدس، أو بعزل الفلسطينيين واضطهادهم في الضفة وغزة عزلا كاملا في الاقتصاد وفي السياسة.
لا علاقة للإنتخابات الإسرائيلية ولا لمآزق الرؤساء الأمريكان ولا لوعودهم بالأمر. إنه برنامج المشروع الصهيوني وخطة عمله التي يتابع تنفيذها اللوبي الصهيوني في العالم منذ زمن طويل.
ثمة إشارات خفية في هذا السياق، تشير إلى أن الإهتمام المريب بالإقتصاد الأردني دون غيره، والتدفق المتوقع للتمويل والإستثمار، واستمرار الأزمة الإقتصادية، يمكن أن يترك الأردن وحيدا في مواجهة هذا المخطط، وأن يكون هدفا سهلا لتنفيذه مدفوعا بالأزمات الإقتصادية، وهو أمر متوقع في ظل الصمت العربي العقيم.
كيف يمكننا مواجهة هذا المخطط. هو السؤال الذي ينبغي لجميع مكونات الشعب الإلتفات إليه. ويمكن في سياق هذا التحليل، أن أشير إلى أن ثمة خطوتين في هذا الإتجاه، ينبغي أن تكونا أولوية أولى.
أولهما، أن تتوحد القوى السياسية الأردنية بكل مكوناتها لتشكيل خطاب وطني موحد يؤسس لجبهة قوية للتعامل مع تبعات تنفيذ المخطط الذي يبدو أنه أصبح أمراً واقعا، وثانيهما، أن تستمر هذه القوى الوطنية بدعم جهود جلالة الملك التي ما فتىء ينهض بها في كل المحافل، وتقديم إسناد شعبي لخطابه الواضح في وجوب المحافظة على التوازنات الدولية والحرص على مستقبل المنطقة السياسي.
لا يمكن أن يقفز المواطن العربي عن قراءة المشهد القائم. تفتيت الهوية العربية إلى هويات فرعية ضيقة، وإلهاء الشعوب بلقمة عيشها، توطئة لاستكمال مخططات المشروع الصهيوني.