جريدة عالم السياحة والاقتصاد، تهتم بصناعة السياحة باطيافها ، الشؤون الاقتصادية والبيئة والسياحة الدينية والمغامرة والسفر والطيران والضيافة

سياحة علمية؟ … محمد زهران

3٬555

 عالم السياحة:مقالات

في زيارة لإنجلترا وتحديداً لندن لفت نظري مكان يسمى Royal Institution أو المؤسسة الملكية، قد يوحي الإسم بمكان تاريخي أو سياسي أو كليهما ولكن نظرة سريعة على الجملة المكتوبة تحت إسم المكان والتي تقول Science lives here  أو العلم يعيش هنا تقول لنا أن هذا إما معمل أبحاث أو متحف علمي، على العموم غلبني الفضول ودخلت، وكان الدخول مجاناً، إكتشفت أن هذا المكان متحف علمي صغير ومدرسة صيفية لتعليم مبادئ العلم للأطفال الصغار بطريقة شيقة وأيضاً ينظم المكان بعض المحاضرات والمناظرات العلمية المبسطة الموجهه للكبار على مدار السنة، ولكن تاريخياً هي مؤسسة تعني بالبحث العلمي وتدريسه منذ سنة 1799 ومنذ البدء في إعطاء جائزة نوبل في بداية القرن العشرين حصل 15 عالماً من هذه المؤسسة على هذه الجائزة العريقة وأعتقد أن الكثير من علماء هذه المؤسسة قبل بداية القرن العشرين يستحقون هذه الجائزة أيضاً لولا أنها لم تكن قد ظهرت بعد!

 داخل هذا المكان ستجد متحفاً صغيراً عن مايكل فاراداي وهو عالم إنجليزي (بالطبع) عاش في القرن الثامن عشر والناسع عشر وأبحاثه في المغناطيسية والكهرباء والكيمياء كان لها أكبر الأثر في استخدام الكهرباء في حياتنا وفي إختراع وتطوير الموتور الكهربي، الجميل هنا هو كيفية عرض هذه المعلومات بطريقة محببة للعامة فالعلم إن لم يُعطى للعامة بطريقة شيقة سيرونه جافاً ومملاً وسينصرفون عنه، مثلاً سترى على حائط كبير صورة كبيرة للجدول الدوري (قائمة بالعناصر الكيميائية المكتشفة حتى الآن) وفوقها لوحة تقول أن عشرة من هذه العناصر تم إكتشافها في هذه المؤسسة الملكية! سترى أيضاً معمل فاراداي نفسه فقد تركوه على حاله.

وتوجد لوحات على الحائط تشرح عمل كل جهاز منهم، بجانب هذا المعمل التاريخي وضعوا معملاً آخر به النسخ الحديثة الحالية من تلك الأجهزة وهذا يعطي المتفرج إنطباعاً بالتقدم العلمي الحادث في القرنين السابقين لأن الأجهزة الحديثة أصغر حجماً بكثير وهذا ما نراه في المتحف وأدق وهذا ما تشرحه اللوح التوضيحية على الحوائط… هذا من ناحيىة العلم أما من ناحية التعليم ستجد كما قلنا مدرسة صيفية للصغار وقد دخلت إحدى هذه القاعات (عن طريق الخطأ!) ورأيت أطفالاً تتراوح أعمارهم بين الثامنة مثلاً والثانية عشر يستمعون بشغف شديد للشرح المقدم لهم وهم جالسين في قاعة يفوح منها عبق التاريخ وعلى الحوائط لوحات تاريخية لمناظرات أو محاضرات علمية كانت تجرى في هذه القاعات نفسها، التنقل من قاعة إلى أخرى يكون عن طريق طرقات مليئة بكتب علمية ترجع للقرن التاسع عشر حسب التواريخ المدونة عليها، عندما يتداخل التاريخ مع العلم مع التعليم فلنا أن  نتوقع المعجزات، هذه المؤسسة حالياً تمول عن طريق الهبات والتبرعات، أثناء الخروج والدخول منها يودعك أو يحييك  تمثال كبير لمايكل فاراداي.

هل يمكننا إنشاء شيء مثل هذا عندنا في مصر ويكون نواة للسياحة العلمية والتعليم معاً؟ قد تقول إننا  لا نملك التاريخ العلمي الذي تملكه دولة مثل إنجلترا، ردي على ذلك أننا لا نعرف تاريخنا العلمي الحديث جيداً، نعم لقد رزحنا تحت الاحتلال لفترات طويلة ولكن لنا أيضاً تاريخنا العلمي مثلاً: متحف الطبيب العبقري نجيب باشا محفوظ في القصر العيني، مجموعة الحشرات التي جمعها العالم كبير حسن أفلاطون في كلية العلوم بجامعة القاهرة، ماذا لو عرضنا صفحات من المحاضرات العلمية لعلماء كبار مثل الدكتور على مصطفي مشرفة و الدكتور أحمد زكي والدكتور أحمد رياض تركي (والقائمة تطول جداً)  بخط يدهم؟ أو الكشاكيل التي كانو يدونون فيها أبحاثهم، ماذا لو عرضنا صوراً نادرة لعلمائنا الكبار مع نبذة عن مناسبة كل صورة؟ هل يعلم الجيل الجديد عدنا بمناظرة في الصحف بين الدكتور مشرفة والدكتور طه حسين عن العلم والأدب وأهمية كل منهما للآخر؟ ماذا لو وضعناها على حائط كبير في متحف ما؟  ماذا لو تطوع بعض من أساتذتنا الكبار في الجامعات بإعطاء محاضرة للنشء كل عن مجال تخصصه؟ يمكن أن يكون ذلك مرة في الشهر مثلاً، إذا وضعنا كل ذلك في مكان واحد سيكون نواة لنشر العلم والتعلم والثقافة العلمية بين العامة، يوجد في نيويورك متحف هو الأول من نوعه في الولايات المتحدة وهو متحف الرياضيات وهو موجه أساساً للأجيال الصغير وهو لا يحتاج إمكانيات مادية كبيرة، فهل نستطيع تقليد كل ذلك كخطوة أولى ثم نبدع؟ …هل؟