عالم السياحة- منذ أن عدت للعمل الصحفي في الأردن العام 1990، لم أشاهد رئيساً للحكومة يذهب الى منطقة سياحية ليروج لها مباشرة عبر الاستمتاع بما توفره من إمكانات تعكس تنوع المنتج السياحي في الأردن. هذا ما فعله عمر الرزاز بالذهاب الى وادي الهيدان والسباحة فيه، وتسلق جباله مع فريق المغامرات الذي يدير المكان الساحر. يدرك الرزاز أهمية السياحة للأردن، ويعرف أنها “بترول” البلد إذا أحسنا ترويجها وتقديمها لمجتمعنا وللعالم، ويعلم أن في الأردن كنوزاً سياحية وأثرية لم تسوّق كما يجب لتصبح رافداً أساسياً للاقتصاد الوطني. يتذمر البعض ممن يراقبون حركة الرئيس الرزاز، ويعتبرون تصرفاته شعبوية، ويقولون “بكفي” بروبغندا واستعراضا، “وشو ما عنده شغل” حتى يزور وادي الهيدان، و”يروح” لوسط البلد عند حسن أبو علي، ويكملون هناك قضايا أهم عليه أن ينشغل بها؟ لو لم يقم رئيس الحكومة بهذه الالتفاتات، لما ترددوا لحظة من وصفه بأنه رئيس من نفس “العلبة”، متكبر، ولا يعرف، ولا يحس بأوجاع الناس وهمومهم. ببساطة وبدون فذلكات كثيرة، فإن الصورة وصناعتها قضية مهمة جداً في بناء الثقة مع الجمهور، هذا عدا عن أن من يعرف الرزاز يدرك بأنه رجل بسيط ومتواضع جداً، وبقاؤه في بيته في اللويبدة وتقليص عدد المرافقين والحراسات له جزء لا يتجزأ من سياق حياته وطبيعته. صناعة الصورة أمر مهم، لكن الأهم من ذلك أن الرئيس يقدم أنموذجاً مختلفاً للاشتباك الإيجابي مع عامة الناس، يتواصل معهم مباشرة، وبذلك فهو يستمع للمستفيدين من الخدمة بدون وسطاء ووكلاء. إذا كان الرئيس الرزاز يريد أن يعرف واقع النقل على حقيقته بدون رتوش، فإن عليه أن يتوجه الى محطة الباصات ليعرف كيف تقدم الخدمة، وإذا كان يريد أن يتعرف أكثر على حال الباصات، ومعاناة الناس فعليه أن يركبها، ويراها، بدون أن يصف له وزير النقل واقع الحال ويكتفي ويسلم بذلك. ولنفترض أن وزير النقل لا يذهب الى الميدان ويلازم مكتبه، فإنه ينقل للرئيس ما تجود به تقارير موظفيه، وهذا يعني حكماً أن الرئيس لا يستطيع التثبت من صحتها ودقتها، فربما تكون مضللة. منذ تسلم رئيس الحكومة مسؤولياته، ذهب بشكل مفاجئ لمستشفى البشير، واطلع بنفسه على شكاوى تتكرر، وقرر نقل مدير المستشفى فوراً، وزار وسط البلد وأولى محطة له كانت زيارة كشك الثقافة العربية ولقاء حسن أبو علي، بما تحمل هذه الزيارة من دلالات لاهتمامه بشخصيات شكلت علامة فارقة بالثقافة في الأردن، ودخل مركز أمن المدينة بعد “عزومة” من ضباطه لشرب القهوة بضيافتهم. توقف الرزاز مطولاً مع أحد الأشخاص من ذوي الإعاقة ليتصور معه بناءً على طلبه، فيبعث برسالة اهتمام أخرى بهؤلاء المعاقين الذين يعانون التمييز والنبذ أحياناً، ويعانون من إقصائهم عن العمل حتى لو امتلكوا القدرة على التنافس وإثبات جدارتهم. ما يفعله رئيس الحكومة هو تكريس لنهج جديد في الاتصال والتواصل، لا يقبل بالفواصل بينه وبين الجمهور ومتلقي الخدمة. ما يقوم به الرئيس وسيلة مباشرة لتقييم أداء وزرائه ومعرفة حالة الرضا ممن يتلقون الخدمة بشكل مباشر، بدون لف أو دوران، وهكذا يقول الرئيس لوزرائه مكانكم في الميدان بين الناس، فلا تجلسوا في مكاتبكم لأنني أشاهدكم وأراقبكم. إذا ما استثمر الرزاز بهذا النهج من التواصل مع الناس وتفقد احتياجاتهم، سيؤكد أن هناك “متسوقا خفيا”، ربما يكون الرئيس نفسه، سيكشف أخطاءه وعيوبه. الزيارات الميدانية والاحتكاك المباشر ضرورة، وهي قاعدة تمكن الرئيس وفريقه من بناء ووضع الخطط الاستراتيجية والتصدي للتحديات الكبيرة. ننتظر أن يقدم الرئيس خطة تنفيذية ومصفوفة عمل بعد مضي 100 يوم على تشكيل حكومته يشرح فيها ما سيقوم به، وما سينجزه، وكيف سيتعامل معه، وما هي مؤشرات القياس، وما هي المتطلبات، والمخصصات المالية المطلوبة، وكيف سيوفرها. على الحكومة أن تفعل ذلك لتمكن الجمهور من مراقبتها ومحاسبتها على برنامج قابل للتنفيذ والقياس، وحتى لا تبقى أصابع الاتهام موجهة للرئيس وفريقه بأنهم يهتمون بالقشور والشعبوية وبعدسات الإعلام، ويتركون القضايا الأساسية والمصيرية؟!