جريدة عالم السياحة والاقتصاد، تهتم بصناعة السياحة باطيافها ، الشؤون الاقتصادية والبيئة والسياحة الدينية والمغامرة والسفر والطيران والضيافة

كتب الدكتور خالد الرشيد : هل نحفظ للسائح الخليجي كرامته؟

2٬205

ما أن يحدث تصرف أو سلوك خاطئ من شخص عربي, إلا وتتفنن الدول الغربية في سن قوانين إستفزازية إذلالية لجميع العرب كردة فعل يشوبها الكثير من الاستغراب وتفوح منها رائحة الاستعلاء والكراهية, وتهدف إلى الانتقاص من قيمة العرب, كصعوبة الحصول على تأشيرات وبآلية التفتيش في المطارات وبالمعاملة الاستعلائية من قبل مواطني هذه الدول, حتى وصل الحال ببعض السياح الخليجيين بأن قموا بدور عمال النظافة طلبا لرضى هذه الدول وكسب لودهم, هذه الاهانات وهذا الذل مؤلم جدا لصاحب العزة والكرامة, نحن نحترم الأخرين ونحترم قوانينهم ونطالب بمعاقبة من يخالف الانظمة والقوانين ومن لا يحترم الحريات، ولكن نرفض تماما تعميم هذه الصورة علينا كعرب وكمسلمين نحن نمتلك أخلاقياتنا وسلوكيات وقيم عالية والتي نفتخر ونفاخر بها, وهذه التجاوزات لا تمثلنا بل تمثل أصحابها فقط ولا نرضى بتحمل مسئولية ذلك.

فمنذ الـ 11 من سبتمبر والسياح العرب والخليجيون على وجه الخصوص يجدون معاملة إتهام وتجريم بالغ تكاد تشمل الجميع, مع أن منفذي هذه الحادثة التي يعلم الجميع سيناريوهاتها, ولو إفترضنا صحتها فالجناة قد لا يتجاوز عددهم الـ 30 شخصا, وعدد الشعب العربي يفوق ال 375 مليون عربي وهذه نسبة ضئيلة جدا لا تتجاوز 00001% إذا ما قورنت بأعداد العرب فما ذنب الـ 99,09% ليؤخذوا بذنب لم يقترفوه ولا يقرونه.

وما حدث في العام الماضي وفي هذا العام من تصرفات فردية لا نقرها ولا نجيزها والتي كان المتسبب بها شريحتين من السياح العرب (الخليجيين):

شريحة يمثلها بعض الشباب المستهتر الذي لا يراعي أنظمة أو قوانين ولا يحترم حريات للآخرين, يتزعمها بعض أبناء أثرياء الخليج الذين أصبح هدفهم استعراض ثرائهم ونفوذهم وإستفزاز ومضايقة مواطني هذه الدول من خلال أعداد الحرس والمرافقين والتباهي بالسيارات النادرة والفارهة, يواكبهم عدد من المراهقين السفهاء, الباحثين عن الشهرة  الذين سرقوا البط وطبخوه ودخنوا الشيشة في الاماكن العامة… إلخ.

هذه التصرفات مستفزة للشعوب الأخرى ومسيئة للخليج حكومات وشعوبا, وهذه التصرفات ليست بالجديدة على هؤلاء فلقد عانت منهم كثير من الدول لسنوات طويلة, خصوصا بعض الدول العربية, ولكن الحكومات الخليجية لم تتعامل بإحترافية مع هذا الملف ولم تعمل على القضاء على هذه الظاهرة التي تؤثر بشكل كبير على العلاقات الدولية بجوانبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

في الجانب الآخر نجد شريحة أخرى من بعض العائلات الخليجية التي أخذت برفقتها جميع العادات والسلوكيات الخاصة بمجتمعها, والتي تناقض عادات وثقافات وأنظمة وقوانين هذه الدول عن جهل وبغير وعي, مما تسبب في الاصطدام بسلوكيات وثقافات مواطني الدول الاخرى, وقد يظن هؤلاء السياح بأنها إمور طبيعية لانهم إعتادوا عليها في بلدانهم, ولكن المشكلة أن الغرب لا يتقبلونها فهم يتضايقون من لون العباءة ويمنعون إرتداء الحجاب في بعض الدول ويمارسون الطبخ في الغابات وعلى ضفاف الانهار والبحيرات وهذا سبب إنزعاجهم, فكما نقل عن مسئول في السفارة السعودية بالنمسا أن المخالفات والشكاوى التي وردت للسفارة كانت محدودة وأن غالبيتها تتمثل في (طبخ في أماكن عامة, وتفاوض على الاسعار), وهذه المخالفات سببها إختلاف الثقافات وأيضا تحتاج إلى توعية بقوانين وأنظمة هذه الدول السياحية.

ولكننا إذا ما نظرنا إلى عدد السياح الخليجين الذين زاروا أوروبا والذي يتوقع أن يتجاوز عددهم في هذا العام الـ 10 مليون سائح خليجي, وهذه الأحداث وهذه التجاوزات قد لا تصل نسبتها إلى 0,0001 من إجمالي أعداد السياح, فهذه النسبة ضيئلة تؤكد بإنها حالات فردية ومن الطبيعي حدوثها بنسب محدودة, فلا يوجد مجتمع كامل التأهيل وكامل الوعي, و إذا ما أخذنا في الاعتبار الأعداد الهائلة للسياح الذين يتواجدون بشكل مستمر في الاماكن العامة, لا يمكن إعتبارها ظاهرة  ولا ينبغي تعميمها على جميع السياح الآخرين الملتزمين بسلوكيات راقية والذين أتوا للتسوق والتنزه والاستجمام وبطريقة حضارية.

الحقيقة… التي يجب أن يعيها الجميع, هي أن السياح الاوروبيين هم من تتأذى منهم دول العالم, فهم من خلال رحلاتهم السياحية يمارسون أبشع الجرائم الانسانية والاخلاقية غير مبالين بأنظمة و قوانين دولية أو حقوقية, فلقد إمتهنوا سياحة وتجارة الرق الابيض في روسيا وفي كرواتيا ودول البلطيق والبلقان, قاموا بتنظيم مافيا لترويج المخدرات والمتاجرة بها, نشروا المثلية والشذوذ الجنسي وأحترفوا ممارسة الجنسية مع الأطفال القصر في المغرب العربي وكينيا وزامبيا وكثير من الدول الافريقية البئيسة التي تعاني الفقر والبطالة والفساد, وصلوا أيضا للقارة الاسيوية بحوادث مشابهة, مخدرات, تجارة مشبوهة رقيق, دعارة أطفال في كثير من الدول كتايلاند والفلبين وغيرها, وبالرغم من مناداة بعض الهيئات الحقوقية في هذه الدول ومطالباتها المستمرة بإحترام إنسانية البشر, وسن قوانين دولية وأممية لردع هؤلاء السياح وهذه المافيا التي عثت في الارض فسادا ولكن النظام الدولي لم يحرك ساكنا, لم يتخذ إجراءات أو تدابير أو قوانين رادعة, ولم يتجرئء على توجيه التهم بشكل رسمي لهذه الدول وهذه العصابات.

إن الدراسات والاحصائيات… تثبت وتؤكد للجميع أهمية السائح الخليجي, فهو هدف للعديد من الوجهات السياحية لوضعه الاقتصادي وللإنفاقه العالي, فهو  ينفق  أكثر من ما ينفقه  الاخرين  بنسبة تقدر بـ 260% على تذاكر السفر و430% على الإقامة, كما أن الخليجيون في هذا الجانب يعتبرون داعما قوي لإقتصادات العديد من الدول ففي عام 2014  بعد أن بلغ إنفاق السياح الخليجيون 64 مليار دولار, وهو ما يعادل ( 240) مليار ريال سعودي.

ولكنه وبالرغم من هذا الانفاق وهذه القيمة الاقتصادية للسائح الخليجي, وبالرغم خدمات التسويق الذي يقوم به بعض السياح الخليجيون لهذه الدول من خلال الفيديوهات والصور التي يتم نشرها بشكل مستمر عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي تروج لهذه الدول وتحسن كثيرا من صورتها الذهنية, وتظهر الجانب الايجابي لها.

وهم بذلك يقدمون خدمة كبيرة لهذه الدول توفر لها ملايين الدولارات التي تتطلبها التنافسية الدولية وتحتاجها الدول للتسويق والترويج السياحي, ولكنه الغرور  والفوقية التي يقابلها ذل وخنوع من الجانب العربي, بعد أن وجدت هذه الدول أن المواطن الخليجي ليس لديه شخصية وليس له موقف أو قرار يحافظ به على كرامته, من خلال المقاطعة والبحث عن وجهات بديلة, في ظل تجاهل حكومات الخليج تجاه هذه القيود وهذا الابتزاز لمواطنيها, إبتداء من آلية الحصول على التأشيرات مرورا بطريقة التعامل معه في المطارات ومكاتب الهجرة إنتهاء بالإحتقار الشعبي للمواطن الخليجي, والتي يقابلها الإحترام والمعاملة الراقية للزائر الاوروبي.

وهذا المنبر فإنني أناشد حكوماتنا الخليجية بالعمل على إعتماد إستراتيجية للمواطن الخليجي تدعم سياحتنا الخليجية وتحافظ على قيمته وكرامته بين شعوب العالم وذلك من خلال:  

1-  سن قوانين تجرم المخالفين لأنظمة الدول ومنعهم من السفر.

2- الإيعاز إلى وزاراة الاعلام بالقيام بدورها التوعوي والثقافي لرفع مستوى القفافة السياحية للشعب الخليجي بنشر حملات توعية بالأنظمة والقوانين للدول السياحية عبر وسائل الاعلام المختلفة وايضا عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

3- وضع أنظمة وقوانين وقيود على الزائر الاوروبي شبيهة بالأنظمة والقوانين التي تطبق على السائح الخليجي ومعاملته في المطارات بالآلية التي يتم التعامل بها مع السائح الخليجي (والتشديد على السياح الاجانب بأهمية إحترام عادات وتقاليد وأنظمة الدول الخليجية وعدم مخالفتها).

4- ضخ المليارات في دعم وتطوير السياحة الخليجية خصوصا المصايف الخليجية في جنوب المملكة العربية السعودية, وصلالة العمانية, نظرا لظروف حرارة الطقس في فصل الصيف التي عادة ما توافق الإجازة الصيفية وتحتاج العائلات الخليجية إلى اللجوء إلى مناطق تمتاز بطقس بارد, من أجل إيجاد بدائل لسياح الخليج الذين لا يرغبون في السفر خارج المنطقة,  ومن أجل دعم الاقتصاد الوطني.

الدكتور خالد الرشيد