حرمة دم المسلم
سم الله الرحمن الرحيم
حرمة دم المسلم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ” آل عمران (102)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا” النساء (1)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) الاحزاب
وبعد :-
فإن المحافظة على “الكليات الخمس ” قدر مشترك بين شرائع السماء وقوانين الأرض.
وإن من مقاصد التشريع الإسلامي حفظ الكليات الخمس وهي :
حفظ الدين ، والنفس ، والعقل ، والمال ، والعرض
فالإسلام حافظ على الكليات الخمس الضرورية ووضع الحدود والقيود التي تحافظ على هذه الضروريات الخمسة، ففي سبيل حفظ الدين تزهق الأنفس المسلمة في الجهاد في سبيل الله، لأن حفظ الدين مقدم على حفظ النفس والنسل والعقل والمال، ولأجل الحفاظ على النفس حرم قتل النفس المسلمة بغير حق، وأمر بالقصاص في القتل فقال تعالى: “وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ” البقرة (179)وعن عبدالله بن مسعود أن رسول الله قال: ((لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا اله الا الله وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة))متفق عليه ، فدم المسلم حرام وماله حرام وعرضه حرام، وقد صان الإسلام الدماء والأموال والفروج، ولا يجوز استحلالها الا فيما أحله الله فيه، وأباحه، وقتل المسلم بغير حق من كبائر الذنوب، والقاتل معرض للوعيد
ففي صحيح البخاري من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً )، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله).
وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد و أبو داود و الترمذي وغيرهم بسند صححه الألباني من حديث معاوية رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركاً أو قتل مؤمناً متعمداً )، وفي سنن النسائي بسند صحيح من حديث بريدة أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا ).
وما رواه البخاري في التاريخ الكبير، و النسائي في السنن من حديث عمرو الخزاعي رضي الله عنه – – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أمن -أي: أعطى الأمان- رجلاً على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافراً )،صحيح الجامع
أيها الاخوة المؤمنون :
هذا كلام النبي محمد صلى الله عليه وسلم! الأمر دين، والدماء لها حرمة؛ لذا كانت أول ما يقضى فيه يوم القيامة، والحديث في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : قال صلى الله عليه وسلم: ( أول ما يقضى فيه يوم القيامة في الدماء )، ولا تعارض بين هذا وبين حديث أصحاب السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة )، فالصلاة حق الله، والدماء حق العباد، لا تعارض بين الحديثين، فأول ما يقضى فيه يوم القيامة بين العباد في الدماء،
ومن هنا شرع الاسلام للانسان مايحفظ له ضرورياتِه الخمسَ كلَّها التي هي الدين والعقل والنفس والعرض والمال.
فمِن أجل ذلك كلِّه, كان إزهاقُ النفس المعصومة في الإسلام مِن أعظم الجرائم وأبشعها؛ إذ هو نقضٌ ومخالفةٌ للغاية الإلهية والإرادة الربّانية, فلا غَرْوَ أن اعتبر الإسلامُ قتلَ النفس من أكبر الكبائر, وقرنه مع الشرك في عدة آيات, قال تعالى: (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الأنعام: 151 ].
فالقتل كبيرة تأتي بعد الشرك بالله، قال تعالى:{ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالحاً]. فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } [الفرقان:68-70]
ولئن كان هذا في قتل أيِّ نفسٍ معصومة, فكيف الحال في قتل النفس المؤمنة بغير حق ؟ قال تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) [النساء:93 ].
وإن أردتم أن تقفوا على عِظم قتل المسلم, فاستمعوا إلى هذا البيان النبوي العظيم, حيث يقول رسولنا – صلى الله عليه وسلم – : ” لَزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم ” أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه بسند صحيح.
فتأمَّلوا – عبادَ الله – قيمةَ دم المسلم وغلائه عند خالقه وبارئه, وأنه أغلى من الدنيا بجميع ما فيها.
وما أعجب ما حصل مع أسامة بن زيد رضي الله عنه حيث يقول – كما في الصحيحين -: ” بعثنا رسول – صلى الله عليه وسلم -إلى الحُرَقة, فصبّحنا القوم فهزمناهم, ولحِقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم, فلما غشِيناه قال لا إله إلا الله, فكف الأنصاريُّ, فطعنته برمحي حتى قتلتُه, فلما قدمنا بلغ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا أسامة: أقتلتَه بعد ما قال لا إله إلا الله ؟ قلت: كان متعوِّذا. فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم”
أيها المسلمون