جريدة عالم السياحة والاقتصاد، تهتم بصناعة السياحة باطيافها ، الشؤون الاقتصادية والبيئة والسياحة الدينية والمغامرة والسفر والطيران والضيافة

زرياب…. من الشخصيات الاسلامية التي علمت العالم

1٬414

اج الشرق (الاردن ) – ما أجمل الموسيقى عندما تداعب الروح! وما أحوجنا لمثل هذه الشخصيات الإسلامية التي تترك بصمة في كل بلدان العالم!

ساهمت العديد من الشخصيات العربية الإسلامية في إثراء الحضارة العربية والعالمية بما قدمته في مجال عملها وتخصصها من جهود إبداعية كابن زرياب، فأهم ما ينقصنا في التربية هو تدريب الفرد على مهارات التفكير والإبداع. وتعلم الموسيقى يعد فنًا من الفنون يوسع لديه القدرة على الخلق والإبداع فحماية المبدعين ورعايتهم من الشروط الأساسية لازدهار أية حضارة.

ونتساءل هل كان الموسيقىر المسلم ابن زرياب سببًا في الرقي الحضاري للأندلس؟ هل هناك ثمة علاقة بين النبوغ العلمي والموسيقى؟

هو أبو الحسن علي بن نافع نشأ ببغداد، ت:230 هـ، ولقب بـزرياب وهو اسم لطائر أسود اللون، رخيم الصوت، حيث كان يمتاز بسواد لونه، وفصاحة لسانه، وحلاوة شمائله، أما كلمة “زرياب” فهي فارسية الأصل وتعني “ماء الذهب”.

تتسم بداياته بالتفرد والسبق حيث أضاف إلى العود وترا خامسا، إذ كان العود قبل اختراع زرياب الوتر الخامس يتألف من أربعة أوتار هي: البمّ، والمَثلَث، والمَثْنى والزير. كما أنشأ معهدا موسيقيا بقرطبة فكان أول من تجرأ على تطوير الموسيقى العربية فاعتنى بجمع الآلات الموسيقية التي كانت معروفة ببلاد المشرق، حيث شاع الغناء الحجازي والموسيقى الحجازية.

وانتقل هذا الفن إلى الأندلس عن طريق الجواري والمغنيات والمغنين، وإلى زرياب يرجع الفضل في تعليم الجواري الغناء في عصره، والعزف على العود، ولعبت الموسيقى العربية دورها في الأندلس، فالمدرسة الموسيقية التي أسسها زرياب وأبناؤه وبناته وجواريه امتزجت بوجدان الأندلسيين فصقلت ذوقهم، وهذبت نفوسهم.

وقد أسهمت الموسيقى الأندلسية في ظهور فني “الزجل والموشح” فالأول: مكون شعري لها؛ أما الثاني: نغمي تمثله النوتة أو الدور، وذلك؛ لأن أكثر الموشحات الأندلسية لا يستقيم لها وزن إلا بالموسيقى، وفي ميدان التأليف والتكوين الموسيقي ترك زرياب ميراثا فنيا عظيما تمثل في مؤلفاته ومدوناته الموسيقية، التي بلغت عشرة آلاف لحن.

وقد أثرت الموسيقى الإسبانية بدورها في نشأة الموسيقى الأوروبية الحديثة، إذ كان كثير من النبلاء والمغنّين يأتون إلى إسبانيا من البلاد الأوروبية كلها، وبخاصة فرنسا وألمانيا، فيستمعون إلى الموسيقى والأغاني العربية الأندلسية، وينقلونها عن طريق السماع إلى بلادهم.

ولم يكن دور زرياب على الجانب الموسيقي فقط، وإنما أثرى الحياة الاجتماعية في الأندلس في الوقت الذي كان يسود فيه الظلام في أوروبا الوسطى، فقد وضع قواعد للسلوك وآداب الجلوس والمحادثة والطعام، كما علمهم فن التجميل والعناية بالبشرة وإزالة رائحة العرق وطرق الخضاب وإزالة الشعر، واستعمال ما يشبه معجون الأسنان في أيامنا، وأدخل إليهم طرقا لقص شعر الرأس وتسريحه لم يعرفوها من قبل، حتى سمّوه معلم الناس المروء ، وقد صدرت في إسبانيا سنة 1987 رواية تحمل اسم “زرياب” باللغة الاسبانية للموسيقي “خيسوس كريوس” تناول فيها العادات والتقاليد الأندلسية ودور زرياب في تجديد الكثير منها وإبداله بكل ما هو أفضل .

فنجد مثلا الطلبة الأوروبيين الذين تخرجوا من معهد زرياب الموسيقي وعادوا إلى بلادهم كانوا هم الشعلة التي أضاءت للفن الأوروبي طريقه في عصر النهضة.

فالموسيقى غذاء الروح وقد قال عنها أرسطو “الموسيقى أسمى من أن تكون أداة للهو والسرور، فهي تطهير للنفوس وراحة للقلوب”. وقال بيتهوفن “الموسيقى وَحْيٌ يعلو على كل الحِكم والفلسفات”، ونجد أن الموسيقى كعلم وفن استهوى معظم العلماء والفلاسفة في العلوم الأخرى المختلفة مثل: الطب والفلك والفيزياء ونذكر منهم: يونس الكاتب من أوائل من كتبوا في الموسيقى، والكندي، والخليل بن أحمد الفراهيدي، والفارابي، وابن سينا، والرازى وغيرهم.

أصحاب البيئة الأندلسية نفسها أبانوا عن قيمة الموسيقى فنجد الفقيه الأندلسي ابن عبد ربه عندما سئل عنها يقول: “يتوصل بالألحان الحسان إلى خير الدنيا والآخرة، كما أنها تبعث على مكارم الأخلاق، واصطناع المعروف وصلة الأرحام، والبعد عن الأعراض والتجاوز عن الذنوب “.

فما أجمل الموسيقى عندما تداعب الروح! وما أحوجنا لمثل هذه الشخصيات الإسلامية التي تترك بصمة في كل بلدان العالم!

د. رشا غانم ـ مدرس النقد الأدبي ـ الجامعة الأميركية (مصر)