الحميمة.. متحف أثري طي النسيان في أقاصي الجنوب
إذا كان من حق الحُميمة (تقع في خاصرة العقبة الشرقية) إن تختفي يوما ما عن مابين سفوح جبال الشراه شرقا وشواطئ البحر الأحمر جنوبا بانتظار أن تتنفس هواء التنمية، فليس من الإنصاف أن تهمل اليوم عن الخارطة السياحية وخطط التنمية المستدامة باعتبارها الضلع الرابع للمربع الذهبي السياحي البتراء – رم- الحميمه–العقبة.
الحُميمة غفلت عنها ذاكرة الحكومة وتنبهت لها ذاكرة «الرأي «.. ، يعبر عنها المسؤولون بين عمان والعقبة عبر الطريق السريع دون أن تسمح لهم سرعة السيارات الفارهة بزجاجها الاسود بالتوقف فيها وتلمس بعض هموم أهلها، ولو التفت احدهم إلى قارعة الطريق لاكتشف آثار الفقر والبطالة تسيل كما الماء من فم السقاء.
تقف الحميمة اليوم على الأعراف بين العقبة المدينة الاقتصادية وفضاءات البادية التاريخية بجبالها وقفارها تنظر إلى خيرات العقبة الاقتصادية بعيون حرى وبطون خاوية علها ترفع عنها مفازات الصحراء ونير الفقر المطبق عليها وهي بجوار البحر والاقتصاد والاستثمار.
على الحميمة ان تنتظر فخطط التنمية قادمة بحسب مفوض التنمية الاقتصادية والسياحية في سلطة العقبة الخاصة شرحبيل ماضي ياسين من خلال استراتيجية اقرت عام 2014 الى العام2020 ومبنية على دراسات تستجلي واقع الحميمة والقرى المحيطة وتحدد كافة احتياجاتها.
نقر بضعف الواقع التنموي في بلدة الحميمة يقول ماضي لكن الموقع السياحي لا يتبع لسلطة العقبة الخاصة تنمويا او اداريا وعليه خاطبنا وزارة السياحة بان تتولى السلطة تطوير وتنمية هذا الموقع اسوة بمواقع سياحية اخرى تكفلت بها السلطة وطورتها كمدينة آيله الاسلامية.
تفخر الحميمة بان في باطنها دفن صندوق وثائق الدعوة العباسية وولد على أرضها ثلاثة من الخلفاء العباسيين خلف تموجات الهضاب وامتدادات البوادي لكنها تأمل أن يشفع لها جوارها لمنطقة العقبة الاقتصادية الخاصة باعتبارها البوابة الحضارية والتاريخية فقد كانت ذات يوم من أشهر المدن العربية والإسلامية.
لها حضورعند أكثر من 35 مؤرخا عبر خمس لغات عالمية لتتكامل فيها صورة الحياة السياحية بإرثها التاريخي التليد ، من مواقع ذات تاريخ، وحضارة وأخرى طبيعية، إلى جانب ما فيها من بعد ديني وسياسي فقد كانت عاصمة العباسيين ومنطلق دعوتهم.
حجم ألمها اليوم بحجم أمل أهلها القابضين على جمر الانتماء المتقد والحاملين لشقاء الطفولة والعوز المرافق حتى أقاصي العمر، طعامهم الخبز والشاي وماؤهم وكبرياؤهم متقطع ، يلملمون ما في الحميمة من مفردات سياحية ودينية وتاريخية غير مستغلة بحثا عن بوابة خروج أضاع الفقر مفتاحها رغم أن البلدة الحالية أنشئت عام 1969 لكنها عاجزة وموعزة كما هي الحميمة.
طريقها النافذ والفاصل بين شطريها الشرقي والغربي تسبب في مقتل عدد من أبناء البلدة دهسا تحت عجلات المركبات يضاف كمخلب جديد إلى جانب مخالب الفقر التي نالت من أجسام السكان ورسمت الحرمان سريعا على شفاه الأطفال والأمهات كأغان تخرج كالبخار في هجير صيف الجنوب الحارق حيث ضنك العيش وضيق ذات اليد.
لم يسعفها موقعها المميز على السفح الجنوبي لجبل الحميمة الذي يبلغ ارتفاعه (1237م) عن سطح البحر بحوالي 80 كلم شمال شرق العقبة و 50 كلم جنوب شرق البتراء بأن تزحف تجاه خارطة العالم السياحية أسوة بضلعها الثالث العقبة وشقيقتها رم.
بصمات القطاع الخاص فيها تكاد تنعدم أو تظهر بخجل وتطوى على عجل، ولا يوجد ما يدل على أن هناك شبه تنمية باستثناء براكيات دكاكين تناثرت على قارعتي الطريق بشكل عشوائي في محاولة من شباب البلدة لإقامة حاجز ولو بسيط بينهم وبين أنياب الجوع وطوابير البطالة وغياب التأهيل الا ان السلطات ازالت هذه البراكيات بحجج التنظيم و الحفاظ على البيئة.
غابت عنها خطط التنمية منذ 14 سنة هي عمر العقبة الاقتصادية التي زاد الاستثمار فيها عن 20 مليار دولار خلال العقد المنصرم كما غاب جبل هبيره وجبل الطويل وجبل أم أساور وجبل أم شداد وجبل شبكه فيها ليس عن الخارطة السياحية فحسب بل عن صفحات الشعر وأوراق الأدباء في الوقت الحالي.
الحميمة يمر بها الاردنيون في طريقهم بين عمان والعقبة لكن الكثير منهم لا يعرفها حتى أصبحت بلدة في طي الإهمال والنسيان لا يلتفت إليها المستثمرون لإقامة مشاريعهم فيها ولا ترد هذه البلدة في برامج زيارات الوفود السياحية لجنوب المملكة حيث المثلث السياحي الذهبي–البتراء ورم والعقبة.
القطاع السياحي مقصر وفقا لمدير سياحة العقبة محمود الهلالات الذي اكد ان مركز زوار الحميمه الذي يخدم الموقع السياحي بالحميمه ويعمل به اربعة موظفين يمكن ان يكون مركز جذب سياحي اذا ما تعاون القطاع الخاص مع الجهود الحكومية المبذولة.
وانتقد تغييب موقع الحميمة السياحي عن برامج وكلاء السياحة والسفر في القطاع الخاص رغم اللقاءات المتكررة لحث القطاع السياحي على ادارج الحميمة على برامجهم السياحية اسوة برم والبتراء.
لم يقتصر دور وزارة اليساحة على ذلك بل تعداه لتزويد مركز زوار الحميمه بالكهرباء عبر الطاقة الشمسية وتزويده بالماء من خلال صهريج شبه اسبوعي.
غابت وزارة التخطيط
يؤكد سكرتير جمعية الحميمة السياحية التعاونية حسين الجرمي كما «سلطة العقبة» ووزارة السياحة عشرات السنين التي روجت لمنطقة رم السياحية والديسه وتناست الحميمه فغاب ترويج المنطقة وغابت معه المجموعات السياحية فلم يزر الحميمة اكثر من ألف سائح في العام الماضي 2014 وهي سياحة عابرة ليس أكثر.
ولم تكن جهود وزارة السياحة افضل حال من المؤسسات الاخرى المعنية بحسب الجرمي فغياب الترويج السياحي وتجاهل الحميمة في الخارطة السياحية من قبل وزارة السياحة وسلطة منطقة العقبة يعني شطب الحميمه تنمويا، فلا مشاريع استثمارية في المنطقة باستثناء مشروع السليكا « فن الرمل « وقد تم ايقافه وتوقف معه 25 عاملا من البلدة لينضموا من جديد الى طوابير البطالة في الحميمة كما منعتنا وزارة المياه من حفر ابار لنعمل في الزراعة في حين سمح لغيرنا بحفر ابار في مناطق البادية المحيطة في الديسة ووادي عربة.
جمعيتنا السياحية التعاونية لا تستطيع شراء بيت من الشعر كاحد ادوات العمل السياحي يقول الجرمي ولا تستطيع ترميم مقرها الايل للسقوط لعسرها المالي لذا لم يجر فيها انتخابات منذ عام 2004 علما ان الانتخابات تجرى كل سنتين.
جمعية الحميمة السياحية التعاونية اقرب الى التصفية من العمل يقول مدير مديرية تعاون العقبة المهندس محمد الحويطات فالجمعية شبه ميتة ولا نشاطات لها منذ اكثر من 10 سنين وتحيط بها ظروف قاسية قد تكون اكبر من امكانياتها ولابد من دعم حكومي وخاص لتمكين الجمعية من القيام بواجباتها على غرار الجمعيات السياحية التعاونية في رم ووادي عربه وحوض الديسه.
8 رؤساء سابقين لسلطة العقبة الاقتصادية الخاصة لم يشفعوا لخطط التنمية بالحميمة بالظهور واكتفوا بالحديث عن الاستراتيجيات الفضفاضة والتي لا تغني وتسمن من جوع.