دبي تخطو بثبات نحو لقب عاصمة الإبداع والتصميم في المنطقة
آن الآوان كي تتنحى القاهرة وبيروت والدار البيضاء جانبا. فها هي دبي تطلق مساعيها لتصبح من أهم مراكز العالم العربي للفن والتصميم والأزياء وهي المجالات التي ظلت تقليديا خاضعة لهيمنة المدن العربية القديمة خارج منطقة الخليج.
لكن نجاح هذه الجهود ليس مضمونا. فالإمارة الغنية معروفة أكثر بكونها مركزا تجاريا ومصرفيا ومقصدا للتسوق الفاخر أكثر منها مركزا للفنون حيث تفتقر للتاريخ العريق وثقافة المدن الأخرى.
لكن لدبي مقومات تجد المدن الأقدم صعوبة في توفيرها مثل الأمن وأسلوب الحياة العالمي وخطوط السفر الشاملة مع بقية العالم العربي.
وتنفق دبي مئات الملايين من الدولارات وتستخدم أحدث التقنيات في جهودها عبر شركات شبه حكومية معتمدة الأسلوب عينه الذي اتبعته بنجاح لإعطاء دفعة للقطاعات الأخرى.
وقالت أمينة الرستماني الرئيسة التنفيذية لمجموعة تيكوم للاستثمارات المتخصصة في إدارة مناطق الشركات ويملكها حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم “نريد أن نشجع المواهب المحلية والصاعدة من المنطقة”.
وأتاحت مدن أخرى بناء أحياء يسكنها الفنانون والمصممون على مر العقود غير أن دبي لا تترك الأمر للصدفة إذ تنشئ تيكوم حاليا حي دبي للتصميم وهو “حي إبداعي تم إنشاؤه خصيصا لتعزيز نمو قطاع التصميم والموضة والصناعات الفاخرة في إمارة دبي” تبلغ مساحته مليوني متر مربع.
ومن المفترض أن يضم الحي قاعات للعرض واستديوهات وورش عمل ومتاجر فخمة ومتاحف فضلا عن مساحات مخصصة للمكاتب والسكن.
ويتوقع افتتاح المرحلة الأولى من المشروع الذي ستبلغ تكلفته أربعة مليارات درهم (1.1 مليار دولار) هذا العام. وقالت تيكوم إن نحو 220 شركة وافقت على المشاركة في المشروع.
ويسعى مجلس دبي للتصميم والأزياء التابع لحكومة الإمارة لإنشاء مدرسة للتصميم للطلبة من جميع أنحاء العالم على أن تكون إحدى مجالات الدراسة فيها هي التصميم الإسلامي.
ويتطلع المجلس إلى ان يكون حاضنا للشركات الجديدة العاملة في مجال التصميم على أن يوفر لها الدعم التقني والمشورة. وفي النهاية قد يجري استثمار الأموال الحكومية بدبي في عدد من المشاريع جنبا إلى جنب مع أموال القطاع الخاص.
لكن بالنسبة للعديد من الخبراء يبدو المسار الفوقي الذي تعتمده دبي في مجال الثقافة خانقا أو عقيما لكن المديرين التنفيذيين للشركات لا يرون أنه يتناقض مع الهدف بل يعتبرون أن دبي قادرة بهذه الطريقة على استقطاب الفنانين والمصممين وصناع الأفلام كما اجتذبت التجار والمصرفيين من قبلهم بتوفير البيئة التي يمكن لأعمالهم أن تزدهر فيها.
وقال مالك سلطان آل مالك المدير التنفيذي لمدينة دبي للإنترنت إن رحلة دبي في مجال التصميم هي التطور الطبيعي لنموها في مجالات أخرى مثل تقنية المعلومات والإعلام والذي أوجد الحاجة إلى المصممين.
وقالت ناز جبريل الرئيس التنفيذي لمجلس دبي للتصميم والأزياء، والتي أسهمت في إدارة اعمال ديفيد وفكتوريا بيكام لست سنوات قبل الانتقال إلى دبي، إن “مكونات خلطة النجاح تنبع من الجذور”.
وأضافت “نوفر الظروف التي تتيح للناس الازدهار والتي لا تتوفر بالضرورة في أماكن أخرى بالمنطقة”.
الحلي والأزياء والأفلام
كان أحد أول مشاريع التصميم المبكرة في دبي مشروع “بالعربي” لتصميم الحلي الذي افتتحته المصممة اللبنانية نادين قانصو قبل تسع سنوات.
وباع متجر “بالعربي” نحو 1500 قطعة مصممة بالخط العربي مقابل 810 آلاف دولار في العام 2014.
ووصفت قانصو قطع الحلي بأنها “فاخرة وبلمسة شرق أوسطية” لكن لغاية جادة هي سبر أغوار الثقافة العربية.
وأوضحت أن الاستقرار السياسي والأمني كانا عاملين أساسيين في قرارها إطلاق مشروعها في دبي إذ أن التوتر الاجتماعي والأمني صعبا الأمور في بيروت.
وقال ثلاثة أخوة بريطانيين من أصل إيراني في العشرينيات والثلاثينيات من العمر، هم هامان وباباك وفرحان جولكار، إنهم أطلقوا علامتهم التجارية في مجال الأزياء الفاخرة للرجال في دبي قبل خمس سنوات لأسباب منها حداثة المدينة قياسا إلى عواصم الأزياء العالمية مما يتيح المجال أمام الوافدين الجديد على المجال.
وبلغت مبيعات علامة إمبرور 1688 للأزياء الرجالي 3.5 مليون دولار عام 2014 وهي تنمو بمعدلات في خانة العشرات فضلا عن إطلاق خط الأزياء النسائية في العام الماضي. وقال باباك إن دبي تطور تدريجيا خط الأزياء الخاص بها الذي يتضمن لمسات باذخة مثل البزات الرجالية ذات الأزرار المطلية بالذهب.
وتباع منتجات إمبرور 1688 بشكل خاص في دول الخليج ويخطط الأخوة الثلاث لتطوير خط مبيعات في أوروبا.
وأوضح باباك أن قطاع السياحة الذي يجذب ملايين الزوار كل عام إلى دبي ربما يساعد المدينة على تطوير علامات تجارية عالمية مع قيام السياح بالترويج لهذه السلع الفاخرة في بلدانهم.
وقال “على صعيد قوة مبيعات التجزئة تعد دبي في مصاف أي مدينة في العالم وهذا عامل هام بالنسبة إلى أي علامة تجارية”.
أما في مجال صناعة الأفلام فقد دفعت موجة اضطرابات الربيع العربي شركات الإنتاج نحو دبي حيث تصوير الأفلام والمسلسلات أكثر أمانا من القاهرة أو دمشق مع إمكانية استخدام تقنيات الكمبيوتر لوضع الخلفيات اللازمة للمشاهد.
غير أن المخرجين في دبي لا يعملون دائما في ظل الحرية الفنية التي كانوا يتمتعون بها في بلدانهم الأم إذ يتعين على المنتج الفني في الإمارات العربية المتحدة احترام الثقافة المحلية والحساسيات الدينية.
فعلى سبيل المثال رفضت دبي طلبا لتصوير فيلم من سلسلة “الجنس والمدينة” هناك فانتقل المشروع إلى المغرب الأكثر تحررا وصور هناك.
لكن مثل هذه الاعتبارات لا تعد عائقا لمعظم الأفلام إذ تلقت الجهات المختصة في دبي 777 طلبا لتصوير أفلام قصيرة أو مسلسلات تلفزيونية أو إعلانات في العام الماضي مقارنة مع 741 في 2013.
وتبث 146 قناة تلفزيونية برامجها من دبي على الرغم من مواجهتها منافسة حامية من جارتها أبوظبي.
وقال جمال الشريف المدير الإداري لمدينة دبي للاستديوهات التابعة لشركة تيكوم “يبلغ عمر صناعة الأفلام في المغرب نحو 50 عاما وفي مصر 80 عاما. لا يمكننا أن نضاهي هذا الأمر لكن يمكننا المنافسة في توفير الظروف المواتية للعمل والتقنيات والتكلفة المنخفضة”.