جريدة عالم السياحة والاقتصاد، تهتم بصناعة السياحة باطيافها ، الشؤون الاقتصادية والبيئة والسياحة الدينية والمغامرة والسفر والطيران والضيافة

المهندس عبدالحكيم محمود الهندي يكتب : حتى اللحظة كانت الدولة تحافظ على “شعرة معاوية” .. ولكن

324

 

مقالات
حتى لحظة انعقاد الإيجاز الصحفي لوزير الداخلية مازن الفراية، كان الأردن لم يقطع بعد شعرة معاوية مع تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، وأما الخلفية فهي أن هذه البلد لطالما عُرفت بأنها بلد التسامح، والوطن الذي يقبل بالجميع، لاسيما من أبنائه مهما كانت توجهاتهم السياسية والفكرية والأيديولوجية، فمنهم اليساري، ومنهم الوسطي، ومنهم الإسلامي، ومن شتى مشارب العمل السياسي، وهذه أسس بني الأردن عليها، فلا إقصاء لأي كان، ولا قبول لأحد على على حساب آخر، فالجميع، وطالما أنهم يعملون تحت الدستور وضمن القوانين والأنظمة المرعية، هم أبناء هذا البلد.
وفي شواهد التاريخ السياسي الأردني بأن، حتى أشد المعارضين للحكومة، وأحيانا للنظام، تقبلتهم الدولة، وأصبحوا في مراحل كثيرة من رجالاتها الأوائل، بل وحملوا لواءها وقاتلوا من أجل الأردن بعدما علموا ولمسوا، بأن هذا وطنهم، وأنه حضنهم الدافئ الذي يلجأون إليه حين تعز الأماكن، وحين تعز الأوطان.
وهذا ينسحب على جماعة الإخوان المسلمين التي استقبل الأردن رجالاتها على مدى عشرات السنوات، فكان من أوائل الدول الذين احتضنتهم وأعطتهم المساحات السياسية الكافية حتى يعبروا عن آرائهم تجاه كثير من القضايا، وبقي هذا الحال على ما هو عليه إلى أن وصلنا إلى نقطة الفراق، وأما الفراق فإن سببه الأول أن ذاك التيار صمم على وضع الأردن في فوهة المدفع، وحين تضع البلد كاملة، وشعبها وأرضها وسماءها ومياهها، في عين الخطر، فإنك لا تريد لوطنك الخير، بل وتضمر له كل الشر، فلا دولة يمكن أن تقبل بأن تُنازَع على سيادتها، لا سيما في القرارات المصيرية، وبأوامر من الخارج، فالدولة للجميع وليست لتيار، والأرض لجميع مواطنيها وليست لحزب وأحد أو جماعة واحدة، ومن هنا جاء القرار الأردني قبل سنوات بحظر عمل جماعة الإخوان المسلمين على الأرض الأردنية، وبحظر كل أنشطتها، وحتى في هذه المحطة، فإن التسامح كان سيد الموقف والعنوان الأول، فقد أعطت الدولة “مساحة” مرة أخرى لهذا التيار حتى يعود إلى رشده وحتى ينسجم مع سياسات ومصالح الوطن، لكن، ومع كل أسف فإن المحطات المفصلية في عمر الأوطان، تكشف النوايا، ولعل النوايا هنا كانت أخطر ما يكون على الأردن وشعبه، فاضطرت الدولة مرة أخرى أن تعود إلى ذاك القرار حتى تعلن الآن عن تطبيقه دون مواربة ودون مجاملة، فعندما يكون الوطن في خطر، فإن المجاملات تسقط، وعندما يكون الشعب الأردني في خطر فإن، كل التيارات تسقط.
من هنا، فإنه كان لا بد من إضاءة تاريخية على مواقف الأردن تجاه تيار جماعة الإخوان المسلمين، حتى لا تُلام الدولة حين تقرر أن تحمي مصالحها، وأن تحمي شعبها وأرضها، لا سيما وأن المنطقة كلها تمر في مخاض سياسي وأمني عسير يستدعي بأن تمسك الدولة بزمام الأمور وأن لا تسمح لأحد بأن ينازعها على قراراتها السيادية، فإن كان هناك من يرى مصلحة حتى للقضية الفلسطينية وللأهل في غزة لمناصرتهم، فإن هذه المصلحة تتقاطع أساسا مع جهود الدولة الأردنية التي لطالما حملت لواء فلسطين واعتبرتها قضية أردنية أولى، كما أكد على ذلك جلالة الملك عبدالله الثاني مستلهماً مواقف أجداده من الملوك الهاشميين الذين لم يتخلوا يوماً عن الشعب الفلسطيني، والذين طالما ناضلوا من أجل تحصيل هذا الشعب المكلوم لحقه بالدولة وبالعيش الكريم، فلا مزاودة هنا لأي كان على مواقف الأردن، ولا يمكن أن يسمح الأردن لأيٍّ كان أن يضعه في عين الخطر متذرعاً بأي سبب كان.
وأختم بأن أقول، إن كان هناك من عقلاء ما زالوا في جماعة الإخوان المسلمين، فعليهم الآن أن ينصاعوا لأمر الدولة ولقراراتها السيادية، وأن لا يفكروا أبداً في المغالبة السياسية والأمنية، فالأوضاع الصعبة التي تمر بها المنطقة، بل والإقليم بشكل عام تستدعي أن تقوم الدولة بحماية الوطن وأن تحمي أبناء الوطن، فمن خطط بأن يجر الأردن إلى صراع عسكري من خلال تحويل البلد إلى “ساحة”، هو من كان السبب في الوصول إلى هذه القرارات التي كانت حتمية على الدولة الأردنية حتى تقوم بواجبها المقدس في حماية الوطن والشعب.