جريدة عالم السياحة والاقتصاد، تهتم بصناعة السياحة باطيافها ، الشؤون الاقتصادية والبيئة والسياحة الدينية والمغامرة والسفر والطيران والضيافة

الملك في مواجهة الضغوط .. حكمة تثبّت الموقف :كتبه معالي نضال القطامين

464

مقالات-الملك في مواجهة الضغوط .. حكمة تثبّت الموقف

\كتب معالي نضال القطامين

جبال من الاكاذيب وتلال من التحريف، نصبها الإعلام الموجه في الولايات المتحدة وفي الشرق الاوسط، وسوّق بمكر ودهاء ما يمكن أن يستأنف العداء للدولة الأردنية وينكر كل تاريخها المعبأ في الدفاع عن قضايا العرب وفي مقدمتها قضية فلسطين.

كان جلالة الملك في لقائه مع رئيس الولايات المتحدة، الذي يملك القوة ويلتحف الغطرسة والغرور، كان مثلما كان، متكأً على تاريخ طويل من العزة والكرامة والدبلوماسية، وقد خيّب بحديثه القوي الهادىء آمال فرسان الفيسبوك الذين انتظروا حلبة مصارعة ومعركة تتطاول فيها العصي.

التقى جلالة الملك مع ترامب، وهو يدرك جيداً أنه المعبأ بفكرة التجارة والإستثمار، غير العابىء بالتاريخ ولا بالثوابت، المنحاز دوماً، بصلافة وكراهية إلى الرواية الإسرائيلية، الراكل بقدميه كل ما اتفق عليه العالم في أمريكيا وفي غيرها، من تبني حلول سياسية للقضية، وتجنيب البشر الحروب، التقاه كما لم يفعل زعيم آخر.

لقد حشره في زاوية ضيقة، وقال ما يمكن لكل حر وقائد وملك أن يقوله، سأعمل ما تقتضيه مصلحة بلدي وسيأتي الرد من العرب على كل ما تقترحه بشأن غزة.

هذا ما قاله الملك، في لقاء كان فيه بهي الحضور متزن الفكرة والخطاب، في الوقت الذي لو كان أحد غيره مكانه، لتصبب عرقا ولبلع ريقه مرات ومرات، وهو يقابل تاجرا لا يعبأ بالسياسة ولا بالدبلوماسية، ساق بين يدي اللقاء حملة تصريحات وتهديدات جعل منها سحائب ركام توقع ان تمطر استسلاما وخنوعا من كل المعنيين.

كان الملك رابط الجأش والنهى، ثابت القلب والقدم، ذكياً كبيرا وحاذقا ماهرا في نقل الملف كله لكلمة العرب وتجنّب الوقوف وحيدا أمام اقتراحات الرئيس العنصرية البغيضة التي لم يؤيدها احد في العالم.

سعياً لمشاهدات عالية، وربما تنفيذا لوسائل الإساءة الرقمية، رأت بعض وسائل الإعلام في جهود ضيوفها لتفسير هذا اللقاء على أنه محاولة من ترامب لفرض إملاءات على الملك بأسلوب استعلائي، وكأن الأمر واقع لا يمكن رفضه. ولكن من يعرف تاريخ الهاشميين في إدارة الأزمات السياسية المختلفة، وكيفية الحفاظ على حقوق الأردنيين وكرامتهم، لا يمكنه إلا أن يثق بحكمة الملك التي لا يضاهيها أحد.

لقد أثبتت القيادة الهاشمية على مدار التاريخ أنها لا تخضع للضغوط، بل تدير الأزمات بذكاء وهدوء، وتحافظ على سيادة القرار الأردني بعيدًا عن أي إملاءات خارجية.

مسنودا بحملة تصريحات حسبها قوية ومؤثرة، حاول ترامب مناقشة ملف التهجير القسري للفلسطينيين، وهو أمر لا يمكن للأردن القبول به بأي شكل من الأشكال، نظرًا لما يمثله من تهديد مباشر للأمن القومي الأردني ولحقوق الشعب الفلسطيني.

لم يمنح الملك ترامب أي إجابة مباشرة حول هذا الطرح، بل كان رده محسوبًا بدقة، حيث أكد أن أي قرار بهذا الحجم لا يمكن أن يكون قرارًا منفردًا لأي دولة، بل هو مسؤولية جماعية يتحملها العرب مجتمعين، وسيتم مناقشته في الاجتماع العربي المرتقب نهاية هذا الشهر، ليكون الرد عربيًا موحدًا ومتماسكًا أمام أي محاولات فرض حلول أحادية الجانب.

هذه الخطوة ليست مجرد موقف دبلوماسي، بل هي استراتيجية متقنة تضمن إبقاء القرار العربي في يد الدول العربية نفسها، بعيدًا عن أي محاولات إملاء خارجي.

ورغم كل الضغوط، لم يكن موقف الملك مجرد رفض سلبي، بل قدم طرحًا إيجابيًا وإنسانيًا، حيث دعا ترامب إلى الضغط على إسرائيل لاستقبال 2000 طفل فلسطيني يعانون من السرطان للعلاج، وهو أمر ترفضه إسرائيل منذ بداية الحرب. لم يكن هذا المطلب عاديًا، بل كان ضربة سياسية قوية، حيث كشف عن الوجه الحقيقي للمعاناة الفلسطينية، ووضع القضية في إطار إنساني يصعب الالتفاف عليه، مما يحرج إسرائيل أمام الرأي العام الدولي. في الوقت نفسه، أكد الملك أن الأردن يرحب بعلاج هؤلاء الأطفال على أراضيه، في موقف يعكس التزام الأردن الدائم بالقيم الإنسانية، ورفضه التخلي عن مسؤوليته الأخلاقية تجاه الفلسطينيين.

لم يكن في سياق اللقاء حضورا صحفيا. كان يفترض أن يجري بعيدًا عن الأضواء الإعلامية ليتيح للطرفين فرصة النقاش بشفافية حول القضايا العالقة. في غفلة، ولأسباب غير بريئة تحول اللقاء إلى ساحة علنية غير متوقعة بعد أن قرر ترامب – في خطوة مفاجئة – دعوة الإعلام لحضور بداية الاجتماع، اي لحظات قبل الاجتماع الثنائي وما دار في ثناياه. لم يكن هذا القرار عبثيًا، بل كان محاولة واضحة لخلق ضغط إعلامي على جلالة الملك، ودفعه إلى موقف دفاعي أمام الكاميرات. غير أن هذه المحاولة لم تؤتِ ثمارها، بل على العكس، فقد ظهر الملك بثقة وثبات، ورد بذكاء سياسي يعكس قوته في التعامل مع مثل هذه المواقف الصعبة للغاية.

أمّا تحريف الكلام، فالقول الفصل فيه هو في الرجوع لتفاصيل الحديث الكاملة غير المجتزأة، وعلى وسائل الإعلام التي نقلت وسوّقت هذا التحريف أن تعتذر للأردن ملكا وحكومة وجيشا وشعبا، وإلّا فإنها تثبت أنها والغة في المشروع الاحتلالي المراد منه تفكيك الموقف العربي وتخذيله، وان غدا لناظره قريب..