ماذا ينتظر الاقتصاد الأردني؟ -كتبته الدكتورة ايمان عبد الوهاب الكساسبة/ مركز اليرموك للدراسات والابحاث
مقالات -اقتصاد
إن الاقتصاد الأردني يواجه تحديات متزايدة في ظل ارتباطه الوثيق بالاقتصاد الأمريكي، سواء من خلال ارتباط سعر صرف الدينار بالدولار أو عبر اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين. ولا شك أن التصريحات المتوقعة من الرئيس الأمريكي القادم، بما في ذلك توجهات خفض سعر صرف الدولار ورفع الجمارك على المستوردات، قد تُلقي بظلالها على الاقتصاد الأردني، مما يستدعي تحليلا وقراءة معمقة للآثار المحتملة واتخاذ تدابير استباقية.
في السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين ما يشبه “حرب العملات”، حيث تسعى الولايات المتحدة للضغط على الصين لرفع قيمة عملتها (اليوان) بهدف تقليل الفجوة التجارية بين البلدين. ولكن الصين ترفض هذا الأمر بحزم، مدركةً أن رفع قيمة اليوان قد يُضعف تنافسية صادراتها الضخمة. وفي المقابل، صرّح الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب، في مواقف مشابهة، بأنه قد يلجأ إلى خفض قيمة الدولار الأمريكي كخطوة مضادة.
مثل هذه التحركات على الصعيد العالمي تُعيد رسم خريطة الاقتصاد العالمي، ولا شك أن الاقتصاد الأردني سيشعر بتبعات هذه الحرب الاقتصادية. فمن جهة، يرتبط الدينار الأردني بالدولار الأمريكي، ما يجعل أي خفض محتمل لقيمة الدولار يؤثر مباشرة على الدينار. هذا التأثير قد يمتد إلى زيادة تكاليف الواردات من الأسواق العالمية الأخرى، خصوصًا تلك المسعّرة باليورو أو اليوان، ما يضع ضغوطًا إضافية على الاقتصاد المحلي.
في السياق ذاته، تحتل الولايات المتحدة مكانة استراتيجية في التبادل التجاري الأردني. فقد جاءت في المرتبة الأولى كوجهة للصادرات الوطنية خلال عام 2023، حيث بلغت قيمة الصادرات الأردنية إلى السوق الأمريكية 1,982.1 مليون دينار، ما يمثل 24% من إجمالي الصادرات الوطنية. وتشير هذه الأرقام إلى أن الميزان التجاري بين البلدين يميل بوضوح لصالح الأردن، ما يعكس أهمية السوق الأمريكية للصناعات الوطنية.
أما على مستوى الواردات، فقد احتلت الولايات المتحدة المرتبة الثالثة بين الدول التي يستورد منها الأردن، بقيمة 1,167.7 مليون دينار، ما يعادل 6.4% من إجمالي المستوردات. ومع ذلك، تبقى الصين الشريك التجاري الأكبر للأردن من حيث الواردات، إذ بلغت قيمتها 3,191.9 مليون دينار خلال عام 2023، ما يمثل 17.5% من إجمالي المستوردات.
في ظل حرب العملات وتوجه الولايات المتحدة نحو فرض رسوم جمركية مرتفعة على المستوردات الصينية وربما على الدول المرتبطة باتفاقيات تجارة حرة، فإن التغيرات المستقبلية قد تُعيد صياغة المشهد التجاري العالمي. هذه التحولات تفتح المجال أمام فرص جديدة للأردن لتعزيز علاقاته التجارية مع الصين ودول أخرى، لكنها في الوقت ذاته تضع الصناعات الوطنية أمام تحديات حقيقية لضمان التنافسية والاستدامة.
إن خفض قيمة الدولار قد يُسهم في زيادة تنافسية الصادرات الأردنية إلى الأسواق العالمية، ولكنه قد يؤدي أيضًا إلى ارتفاع تكاليف السلع المستوردة، مما ينعكس على أسعار المنتجات الأساسية في السوق المحلي. ولأن الاقتصاد الأردني يعتمد بشكل كبير على استيراد السلع، فإن أي اضطرابات في أسعار الصرف العالمية ستؤثر مباشرة على معيشة المواطنين.
لذلك، فإن المرحلة المقبلة تتطلب من الأردن تعزيز مرونة اقتصاده واستقلاليته النسبية. ويشمل ذلك تنويع الأسواق التصديرية وتقليل الاعتماد على الأسواق التقليدية مثل السوق الأمريكية. كما أن دعم الصناعات الوطنية وتطويرها، مع تحسين البيئة الاستثمارية، يمكن أن يساعد الأردن على مواجهة التحديات التي قد تفرضها السياسات الاقتصادية الأمريكية والصينية.
في ظل هذه التحولات العالمية، يتطلب الأمر رؤية اقتصادية استراتيجية تُركز على استغلال الفرص الناشئة والتكيف مع المتغيرات، بما يضمن حماية الاستقرار الاقتصادي للمملكة وتعزيز تنافسيتها في الأسواق العالمية.