جريدة عالم السياحة والاقتصاد، تهتم بصناعة السياحة باطيافها ، الشؤون الاقتصادية والبيئة والسياحة الدينية والمغامرة والسفر والطيران والضيافة

قراءة تحليلية لمستجدات المشهد السياسي-سوريا ومستقبل العلاقة مع الإقليم

405

عالم السياحة: مقالات

سوريا ومستقبل العلاقة مع الإقليم: قراءة تحليلية لمستجدات المشهد السياسي

هذا المقال هو تلخيص وتحليل شامل لحلقة برنامج نبض البلد التي ناقشت التطورات الأخيرة في سوريا وعلاقتها بالإقليم، بمشاركة الدكتور محمد أبو هديب، النائب الأردني الأسبق، والكاتب والمحلل السياسي الأستاذ مالك عثامنة. الحلقة تناولت بشكل أساسي مستقبل سوريا بعد التغيرات السياسية السريعة، وكيف سيؤثر ذلك على المنطقة، مع التركيز على الدور الأردني والعربي.

المشهد السوري: سقوط مفاجئ وتغيرات متسارعة

استهل الدكتور محمد أبو هديب حديثه بالإشارة إلى أن ما جرى في سوريا كان “مفاجئًا” للكثيرين، إذ لم يتوقع أحد سقوط النظام بهذه السرعة والسلاسة، وخصوصًا بعد الحرب المدمرة على غزة وجنوب لبنان. وأوضح أن وصول حركة تحرير الشام إلى دمشق دون مواجهات دموية واسعة يُعد تحولًا سياسيًا غير مسبوق، خاصة وأن النظام السوري كان حتى وقت قريب يلقى دعمًا من النظام الرسمي العربي.

وأكد أبو هديب أن ما حدث يُعتبر خيارًا للشعب السوري، داعيًا الدول العربية إلى عدم ترك سوريا في هذه المرحلة الدقيقة. وأشار إلى تجارب سابقة، مثل العراق، حيث أدى غياب الدور العربي إلى فراغ ملأته قوى إقليمية ودولية.

وأضاف أن الأردن بدأ في اتخاذ خطوات عملية، من خلال استضافة لقاء العقبة الذي أكد دعم خيارات الشعب السوري، مشددًا على ضرورة إيجاد عملية سياسية شاملة تضمن مشاركة كافة الأطياف السورية في بناء مستقبل البلاد، للحفاظ على سوريا موحدة وقوية.

الإسلام السياسي والنموذج التركي: هل هو قابل للتكرار؟

تطرق الحوار إلى قضية الإسلام السياسي، وتحديدًا النموذج التركي بقيادة حزب العدالة والتنمية. الدكتور محمد أبو هديب اعتبر أن هناك توافقات دولية سمحت بما حدث، مبددًا المخاوف من صعود تيار إسلامي متشدد. وأكد أن الإسلام السياسي الأردوغاني – الذي يعتمد على التعددية والبراغماتية الاقتصادية – يمكن أن يكون مقبولًا، بشرط إشراك كافة مكونات الشعب السوري.

من جهته، كان للأستاذ مالك عثامنة قراءة مغايرة؛ إذ أشار إلى أن الوضع في سوريا لا يزال “غامضًا” وغير مستقر، وأن النظام الجديد لم يتبلور بعد ليأخذ شكل دولة حقيقية. وأوضح أن الفصائل التي تسيطر على دمشق تعاني من خلافات أيديولوجية عميقة، ما يجعل من الصعب الحديث عن نموذج إسلامي مشابه لما يحدث في تركيا.

وأضاف عثامنة أن تركيا دولة مؤسسات عميقة، بينما المشهد السوري يعتمد على فصائل مسلحة غير متجانسة، مشيرًا إلى ضرورة مراقبة التطورات بحذر لأن الحل في سوريا لن يكون بسيطًا أو سريعًا.

الدور الإقليمي والدولي: حسابات معقدة

أوضح الأستاذ مالك عثامنة أن التغييرات في سوريا تأتي ضمن سياق إقليمي أوسع، بدأ بعد حرب 7 أكتوبر على غزة. ووصف هذه المرحلة بأنها “زحزحة قارية”، حيث تؤدي التحولات الكبرى في العلاقات الدولية إلى أزمات وكوارث محلية وإقليمية.

وأشار إلى أن روسيا وإيران كانتا متنافستين داخل النظام السوري، وأن ضعف النفوذ الإيراني وتراجع الدور الروسي بسبب انشغال موسكو في أوكرانيا ساهما في تسريع التغيرات الأخيرة. كما أكد أن هناك “تفاهمات خلف الكواليس” بين اللاعبين الدوليين والإقليميين، مما أدى إلى إسقاط النظام السابق بهذه السرعة.

وفي هذا السياق، شدد الدكتور أبو هديب على أهمية التحرك العربي العاجل، لمنع القوى الإقليمية الأخرى – مثل إسرائيل وتركيا – من ملء الفراغ. وأشار إلى أن التحرك التركي كان سريعًا وفعّالًا، سواء على المستوى السياسي أو الميداني، مطالبًا الدول العربية باتخاذ خطوات مماثلة لدعم الشعب السوري.

الدور الأردني: تحديات وفرص

كان الحديث عن الدور الأردني محورًا رئيسيًا في الحلقة، حيث أكد الدكتور محمد أبو هديب أن الأردن لديه مصلحة استراتيجية كبرى في دعم استقرار سوريا. وأوضح أن سوريا تمثل “رئة اقتصادية” للأردن، سواء من حيث التبادل التجاري أو إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة.

وأشار إلى عدة ملفات مهمة يجب أن يعمل الأردن على تحقيقها:

1. ملف المياه: حيث عانى الأردن لسنوات من حبس مياه نهر اليرموك من قبل النظام السوري السابق.
2. الأمن الحدودي: الأردن تحمل عبء تهريب المخدرات والأسلحة من الجنوب السوري لسنوات طويلة.
3. إعادة الإعمار: الأردن يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في إعادة بناء سوريا، من خلال استثمار الخبرات والشركات الأردنية.

من جانبه، أكد الأستاذ مالك عثامنة أن الأردن يجب أن يتحرك بحذر، عبر “القنوات الخلفية” التي تعتمد على العمل الاستخباراتي والسياسي بعيدًا عن الأضواء. وأشار إلى أن الأردن يمتلك خبرة طويلة في هذا المجال، ويمكنه بناء تفاهمات قوية مع الأطراف المسيطرة على دمشق، بما يضمن تحقيق المصالح الوطنية الأردنية.

التوقعات المستقبلية: نظرة حذرة وتغيرات مرتقبة

تطرق الحوار أيضًا إلى مستقبل سوريا في ظل التحولات العالمية، خاصة مع اقتراب الانتخابات الأمريكية واحتمالية عودة دونالد ترامب إلى الحكم. وأوضح الأستاذ مالك عثامنة أن سياسات ترامب يصعب التنبؤ بها، لكنه أكد أن أي تحول في الإدارة الأمريكية سيؤثر بشكل كبير على الملف السوري.

وفي ختام الحلقة، أكد الدكتور محمد أبو هديب على ضرورة استثمار الأردن لعلاقاته الاجتماعية والاقتصادية مع سوريا، مشيرًا إلى أن الأردن يمتلك أوراق قوة مهمة يجب استغلالها لدعم استقرار سوريا وضمان تحقيق مصالحه الاستراتيجية.

الخلاصة: سوريا في قلب التغيرات الإقليمية

إن ما يحدث في سوريا اليوم ليس مجرد تغيير داخلي، بل هو جزء من تحولات إقليمية وعالمية واسعة. ويُعد دعم الدول العربية – وعلى رأسها الأردن – ضروريًا لضمان استقرار سوريا ومنع تحولها إلى ساحة نفوذ للقوى الإقليمية والدولية.

في ظل هذه التطورات، يبدو أن الأردن قادر على لعب دور محوري في إعادة بناء سوريا، من خلال التحرك السريع والفاعل، سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، بما يحقق مصالحه الوطنية ويساهم في إعادة سوريا إلى موقعها الطبيعي كركيزة أساسية في المنطقة.