جريدة عالم السياحة والاقتصاد، تهتم بصناعة السياحة باطيافها ، الشؤون الاقتصادية والبيئة والسياحة الدينية والمغامرة والسفر والطيران والضيافة

فيلادلفيا .. الفندق الاول لمشاهير السياسية والفنانين

16٬400

وليد سليمان- عن جريدة الرأي 

كان لي حب فضول الدخول لهذا المكان ( فندق فيلادلفيا ) في بداية ثمانينات القرن الماضي , حيث شاهدت فيه معرضا ً فنيا ً لمجموعة من الرسامين… وكانت تلك هي المرة الأولي والأخيرة .
فمن المباني التراثية العريقة ذات التصميم الحجري الشرقي الجميل في عمان قديما ً كان مبنى (فندق فيلادلفيا ) الذي غاب عن مظاهر عمان التاريخية في العام 1986, بعد أن قامت أمانة عمان الكبرى بامتلاك هذا الموقع وما حوله الواقع أمام المدرج الروماني الشهير وسط مدينة عمان.. وحولت المنطقة تلك بما يُعرف الآن بالساحة الهاشمية .
مع العلم أن بداية إنشاء هذا الفندق والذي اعتبر في ذلك الوقت أرقى وأفخم فندق في عمان بل من الدرجة الأولى في إمارة شرقي الأردن بعد تأسيسها بسنتين عام 1923 حيث صنف قديما من فئة الخمس نجوم !! هذا وقد استغرق بناؤه نحو أربع أو خمس سنوات ليتم افتتاحه لاستقبال العرب والأجانب والسياح من المشاهير في عالم الفنون والسياسة والاقتصاد والأثرياء .
وقد حدثني الصديق عبد الحميد ماضي أنه في الخمسينات وكان شاباً صغيرا يسكن في جبل الجوفة وينزل إلى السوق مشيا على الأقدام للذهاب إلى مدرسته العسبلية والتي كانت لا تبعد سوى أمتار قليلة عن هذا الفندق الشهير.. إنه ذات يوم ورفاقه في إحدى الأمسيات اجتمع نفر من الشباب يريدون مشاهدة الفنان الموسيقار والمطرب المحبوب فريد الأطرش الذي كان في زيارة فنية غنائية إلى عمان وينزل في هذا الفندق .
وقد شاهدوه وكانت فرحتهم لا توصف ؟! حيث صفقوا له , ومنهم من طلب منه التوقيع على ظهر بعض صوره أو في دفاتر الأوتوغراف المعروفة قديما للذكريات والصداقات.وقال ان فريد الاطرش كان قد غنى على مسرح المدرج الروماني كذلك .

الملك المؤسس
هذا وقد انطلقت فكرة إقامة هذا المَعلم السياحي والثقافي والاجتماعي والسياسي والترفيهي من لدن المغفور له بإذن الله الملك المؤسس إبان عهد الامارة وذلك لتكريس العاصمة عمان الناشئة كمركز حضري و مدني يليق بكثرة الوفود والزوار القادمين لعمان من الدول العربية والأجنبية في زيارات سياسية وأخرى تجارية , وغيرها من سياحية وفنية مثلا لزيارة عمان وآثار جرش والبتراء .
لذلك قد شجع الملك المؤسس عبد الله الأول السيد إبراهيم نزال صاحب فندق سياحي فخم في أريحا اسمه فندق قصر الشتاء أو المشتي الذي أقيم عام 1907 بالتفكير بإقامة فندق فخم في عمان على غرار فندقه في أريحا .
فأرسل إبراهيم نزال ابنه أنطوان إلى عمان لاختيار موقع مناسب لهذا الفندق وسط المدينة و وقع اختياره على قطعة ارض تقع في الساحة الترابية الواقعة أمام المدرج الروماني ، وهذا ما حصل إذ تم شراء قطعة الأرض وبتمويل جزئي من شركة توماس كوك .
و تم إقامة هذا الفندق الفريد من نوعه في عمان والذي استوحى اسمه (فيلادلفيا ) من الاسم اليوناني القديم لمدينة عمان .

مكونات الفندق
هذا وقد بلغت غرف فندق فيلادلفيا عن إنشائه وتشغيله (56) غرفة ، ثم في العام 1955 تم إضافة غرف أخرى وصل عددها جميعا إلى 95 غرفة فندقية .
وكان في هذا الفندق الشاسع والذي شهد الكثير من الأحداث والمناسبات والذكريات والزوار واللقاءات العائلية ، ملعب للتنس الأرضي وبركة للسباحة المختلطة ، وصالات أخرى وقاعات واسعة لعقد المؤتمرات والحفلات أيضا، والعروض الفنية والموسيقية .

مشاهير السياسة والفن:
ومن الشخصيات الشهيرة التي أقامت و ارتادت هذا الفندق الشهير ، فندق فيلادلفيا قديما : المطرب محمد عبد الوهاب، المطرب فريد الأطرش ، الفنانة تحية كاريوكا ،الفنان عميد المسرح العربي يوسف وهبي ، الفنانة أمينة رزق، الفنان عمر الشريف , اسمهان .
ومن السياسيين:تشرشل وزير المستعمرات البريطاني الأسبق,و نوري السعيد رئيس وزراء العراق الأسبق، شكري القوتلي الرئيس الأسبق لسوريا ، الملك فيصل الثاني ملك العراق ، الأمير فهد بن عبد العزيز قبل أن يصبح ملكا فيما بعد، زيد الرفاعي رئيس وزراء الأردن سابقا ً ، عبد القادر باشا الجندي ، داج همر شولد الأمين السابق لهيئة الأمم المتحدة ,المستشرق عبدالله فيلبي , لورنس العرب … الخ

ذاكرة الزمن الجميل
و نذكر هنا بعض مما جاء حول فندق فيلادلفيا في كتاب الباحث الراحل فؤاد البخاري والمعنون بِـ « عمان ..ذاكرة الزمن الجميل «:
لقد تزامن إنشاء هذا الفندق مع تأسيس إمارة شرق الأردن في مطلع العشرينات من القرن الماضي، وكان أول فندق خمس نجوم في عمان، وتعود بناء قصة هذا الفندق إلى بداية عام 1923 أي بعد عامين من تسمية عمان عاصمة لإمارة شرق الأردن حيث شعر المغفور له الأمير عبدا لله بن الحسين بحاجة العاصمة إلى فندق لضيوفه وضيوف الدولة الرسميين ، فطلب من إبراهيم نزال أن يهتم بالأمر، فبعث نزال ابنه أنطوان من أريحا إلى عمان لشراء قطعة أرض في أفضل موقع، وكان قرب المدرج الروماني السياحي الشهير،وكان يجاور كذلك مبنى صار فيما بعد مقرا رسميا لسمو الأمير عبدا لله الأول وعرف بــِ ( الديوان الأميري ) وهو مجاور أيضا لمبنى المدرسة العسبلية العريقة .
اشترى أنطوان نزال الأرض من مالكها من العسبلي ، وبدأ العمل فورا في بناء الفندق، حتى افتتح عام 1928 ونزل فيه بعض ابرز الشخصيات السياسية الأجنبية والعربية عند زيارتهم للأردن ونزل في الفندق عدد من كبار الفنانين من زوار الأردن لإحياء حفلات فنية غنائية ، أو لحضور بعض عروض أفلامهم السينمائية شخصيا في دور العرض السينمائية في عمان، ومن ابرز هؤلاء ، الفنان الموسيقار فريد الأطرش وتحية كاريوكا اللذان جاءا عام 1944لحضور افتتاح عرض فيلم لهما ،ثم عاد فريد الأطرش في زيارة أخرى عام 1955 لإحياء حفل زفاف المغفور له الملك الحسين على الملكة دينا برفقة الفنان يوسف وهبي والفنانة أمينة رزق ، كما نزل فيه الفنان العالمي عمر الشريف برفقة فريق تصوير الفيلم العالمي (لورنس العرب) الذي جرى تصوير أجزاء منه في منطقة وادي رم في الأردن.
إضافة إلى هذا النوع من النزلاء كانت تقام في صالات الفندق حفلات أعراس لكبار الشخصيات نذكر منها حفلة زفاف زيد الرفاعي رئيس الوزراء الأردن الأسبق، وقد حضر تلك الحفلة الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب.
بالإضافة إلى ذلك كان الفندق ملتقى لكبار السياسيين والمفكرين والادباء والإعلاميين مثل المؤرخ سليمان الموسى وضيف الله الحمود وطارق مصاروة وعيسى الناعوري …الخ في تلك الفترة.
وفي بداية إنشائه تكون الفندق المأسوف على فقدانه !! من واجهة أمامية فقط ، وظل كذلك حتى أوائل الخمسينات ، حتى تزايد الإقبال عليه ، فأضيف إليه منشآت تمثلت في ملحقين على طرفي الواجهة الأولى .
وفي بداية الخمسينات كان في الفندق ناد ليلي ينحصر نشاطه في فصل الصيف وكان يستضيف الفرق الأجنبية، إضافة إلى وجود فرقة موسيقية
(band) غربي تعزف مقطوعات موسيقية ليرقص على أنغامها من يشاء من الحضور.

فنون ورياضة
كما احتوى الفندق ، على منشآت رياضية وملعب لممارسة لعبة التنس الأرضي التي كان يمارسها النزلاء الأجانب ، وفي بداية الستينات أضافت الإدارة مسبحا هو الأول من نوعه في فنادق عمان ذات الخمس نجوم، وكان المسبح مختلطا للجنسين معا .
ومما يستحق الذكر أن الفندق أقام في شتاء عام 1960 مسابقة لاختيار جميلة الأردن وتقدم للمسابقة عدد محدود من الفتيات ، فازت من بينهن فتاة يونانية، وقد أثار ظهورها ردود أفعال مختلفة ، ثم بعد ثلاث سنوات قررت إدارة الفندق تكرار هذه الظاهرة مرة أخرى.
حيث نشرت أعلانا في صحيفة « الجهاد» في تموز1963 حول نيتها إجراء مسابقة لانتخاب ملكة جمال الأردن عام 1964 وسفيرة الأناقة للعام نفسه، حيث تمثل الأولى الأردن حفلة ملكات الجمال في لونغ بتش كاليفورنيا، وتمثله الثانية في حفلة ملكات الجمال في لندن وفعلا تقدم عدد من الفتيات حيث فازت الطالبة الأردنية دوريس ، كما فازت فتاة يونانية بلقب سفيرة الأناقة وحضر الحفل عدد لا بأس به من العائلات الأردنية .كما غطت صحيفة الجهاد وقائع الحفل .

زوال الفندق
وفي الختام يشير الباحث البخاري إلى الألم والحسرة على هدم هذا المبنى من قبل أمانة عمان 1986 !! ثم يتساءل : ألم تجد الأمانة وسيلة لبناء المرافق في الساحة الهاشمية من أكشاك ومطاعم ومحلات تحف ( قديما ) وتتجنب في الوقت نفسه هدم وإزالة واحد من «أبزر معالم العاصمة وملامحها الحضارية ، وذاكرتها التاريخية ؟! ولماذا ضربت الأمانة بعرض الحائط ، احتجاجات أصحاب الفنادق ورفضهم أوامر الهدم ، ورفضهم كذلك عروضا كثيرة منهم أو من آخرين لتحويل فندق فيلادلفيا إلى متحف للحياة السياحية .
وبالفعل كان من الأفضل لهذا البناء فندق فيلادلفيا لو ظل صامدا بهيبته وجماله وقدمه التاريخي وتحويله إلى متحف فني أو تراثي أو ثقافي يحكي قصة ومسيرة مدينة عمان منذ تأسيس الإمارة حتى تاريخه !! يرتاده الزوار والسياح وأهل المدينة مثلا !