جريدة عالم السياحة والاقتصاد، تهتم بصناعة السياحة باطيافها ، الشؤون الاقتصادية والبيئة والسياحة الدينية والمغامرة والسفر والطيران والضيافة

المناطق الأثرية في محافظة المفرق-مدينة رحاب rehap

1٬587

لها تاريخ عريق.. وفيها من الذاكرة صورة تختلط فيها ملامح الآثار، وألوان الموروث الشعبي، ومآذن المساجد، مع نواقيس الكنائس.
فيها من كل هذا وذاك، ولذا فإن ما يتم تقديمه من كتاب تاريخ قرية رحاب، ما هو إلا غيض من فيض، وقليل من كثير يسكن في عمقها، وهو محفوظ في صور أهلها، ومنقوش في قلب ترابها.



 

 







 

نفرتيتي
هذا مقام العودة إلى التاريخ..
وهنا ستكون الإطلالة على تلك الآثار الموجودة في رحاب، وكذلك على جوانب من إرثها القديم، حيث نبدأ بسرد ما ذكره المطران سليم الصائغ في كتابه “”الآثار المسيحية في الأردن””، عن قرية رحاب، وماضيها الثري، حيث يقول: (.. تاريخها عريق جدا، فقد ورد اسمها في لوائح أسماء المدن التي احتلها فرعون مصر تحوتمس الثالث (1490-1436   1490-1436   ق.م)، وكانت رحاب آنذاك تؤدي الجزية لفراعنة مصر. ولكنها تمردت مع من تمردوا، وخرجت عن طاعة مصر، في عهد أمنحوتب الرابع (أخناتون 1371-1358   1371-1358   ق.م) فرعون مصر الذي لم يكن حازما في الحكم لتأثره بزوجته الجميلة نفرتيتي التي كانت -على ما يعتقد- من أصل سوري. وظلت رحاب حرة حتى السنة الأولى من حكم الفرعون ستي الأول (1317-1301   1317-1301   ق.م) من السلالة التاسعة عشرة).
ويضيف المطران سليم الصائغ في موضع آخر من الكتاب :(.. وحين انتهاء عصر اضطهاد الكنيسة في مطلع القرن الرابع الميلادي كانت بصرى الشام مركز المقاطعة العربية، وكان عدد من المدن والقرى الأردنية تابعا لأبرشيتها، مثل رحاب بني حسن، وخربة السمراء، وأم الجمال، وسما السرحان، وصبحة وصبحية، وأم القطين، ودير الكهف، وقصر الحلابات.. ألخ، وكانت بصرى أيضا مرجعا لعدد من الأبرشيات الأردنية مثل: جرش، وعمان، وحسبان، ومأدبا).





mm











بعد هذا التقديم، يدخل المطران الصائغ في تفصيلات حول آثار رحاب المسيحية، ولكن نظرا إلى كون المعلومات الأحدث والأشمل، في هذا الجانب، قام بتدوينها الدكتور عبد القادر الحصان في جهده المميز والموثق في كتاب “”محافظة المفرق ومحيطها عبر العصور/ دراسات ومسوحات أثرية ميدانية””، فإننا سنعتمد هذا الكتاب في عرض الخريطة التاريخية والأثرية لرحاب، حيث يبدأ الدكتور عبد القادر بوحه العلمي
 حول رحاب بقوله: (تغوص رحاب عبر رحلة الزمن في أعماق التاريخ، وقد كان لها دور بارز في تطور وارتقاء الحضارة الإنسانية، وذلك عبر تراكمات الحضارة منذ طفولتها وحتى الآن، وذلك راجع لأهمية الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به ومنذ أقدم العصور..)، ثم بعد ذلك يستعرض الدكتور عبد القادر العصور التي لها آثار باقية في رحاب، بدءا من العصر الحجري القديم الأعلى، والعصرين الحجري النحاسي والبرونزي المبكر، كما يمر على فترة الاحتلال الساساني للمنطقة، ويدلل على ذلك من خلال ثلاث كنائس تم تدشينها في هذه المرحلة وهي كنيسة القديس أسطفان عام 620م، وكنيسة القديس بطرس عام 624م، وكنيسة القديس نيقفور قسطنطين عام 623م، ويثبت هنا الملاحظة بأنه (كان يتم تدشين كنيسة كل عامين تقريبا، ويعلل ذلك أن سكان بلدة رحاب كانوا من الساميين والسريان المعارضين للدولة البيزنطية، مما سهل تعاملهم مع الساسانيين الفرس).














ويشير كذلك الدكتور عبد القادر في كتابه إلى الفترة الإسلامية، ويوضح بأنه (في الفترة الإسلامية المبكرة فقد استمرت -رحاب- في وضعها الايجابي، وقد تم تدشين بعض كنائس هذه الفترة مع ترميم وصيانة البعض الآخر مثل كنيسة القديس مينا عام 635م، كما كان لها شأن كبير في تخريج العلماء والمقرئين وعلى رأسهم أحد القراء السبعة عبد الله بن عامر بن زيد أبو عمران اليحصبي، وقد ولي قضاء دمشق في عهد خلافة الوليد بن عبد الملك وآثارها الأموية شاهد على تطورها في تلك الفترة، كما أن المسجد الحالي القائم في شرق البلدة على المرتفع تعود جذوره إلى الفترة الأموية بالإضافة إلى ترميم وصيانة العديد من المواقع البيزنطية السابقة وخاصة البركة الكبيرة).

ويشار أيضا إلى استمرار السكن في رحاب في الفترة العباسية المبكرة،


واستمر صمود القرية بعد ذلك حتى مع الزلزال الذي ضرب المنطقة في نهاية الفترة الأموية، والأوبئة، والثورة الأموية المضادة في بداية القرن التاسع الميلادي، كما أنه بقيت رحاب تجدد نفسها، وتحافظ على هويتها في العهد الأيوبي المملوكي، حيث أنه من أهم المعالم المملوكية في القرية المسجد، وبعض النقوش العربية المحاذية له شمال رحاب في منطقة تل رحيبة، وقد تم استخدام الموقع بشكل جزئي في الفترة العثمانية وخاصة منطقة محيط المسجد كمشاتي، غير أن إعادة استخدام الموقع في العصور الحديثة أدى إلى تدمير الكثير من المعالم الأثرية.



أبرشية بصرى الشام

كانت رحاب مشهورة بكثرة الكنائس فيها، وبعراقتها، فلا بد من رصد لها، وتوضيح طبيعة تلك الكنائس المكتشفة في القرية، وهنا يشير الدكتور عبد القادر الحصان إلى أنه قد (تم الكشف كليا من خلال الحفريات والتنقيب عن ثلاثة عشر كنيسة، وعشرة أخرى من خلال المسوحات الأثرية في بلدة رحاب، وبهذا يكون العدد الإجمالي 23 كنيسة، اثنتان منهما مستملكتان من قبل المواطنين، ومن بين هذه الكنائس تم تأريخ أربعة لفترة الحكم الساساني للمنطقة من عام (614-628م) مما يدل على أن بلدة رحاب آنذاك سلمت من تدمير الجيوش الساسانية، وعلى الأرجح أن يكون السبب في أن سكانها من العرب الساميين والسريان، وذلك لأنهم كانوا يتبعون أبرشية بصرى الشام، ويعارضون في كثير من الأمور الإمبراطورية البيزنطية، أكان ذلك سياسيا أو دينيا ومذهبيا).



 

كتدرائية تلعة القرية

بسلاسة علمية، وبتدرج منطقي يتم بعد كل تلك التفاصيل رصد الكنائس في رحاب بتواريخها، مع تثبيت العهد الذي دشنت فيه، أو التاريخ الذي تم ترميمها فيه، حيث تكون الخلاصة وفق التسلسل الذي وضعه الدكتور عبد القادر، حيث تكون الكنائس المثبتة في رحاب هي على النحو التالي: كنيسة القديسة مريم العذراء (دشنت في عام 543م، ثم رممت في العام 582م)، وكنيسة القديس باسليليوس (دشنت في عام 594م في عهد أسقف بصرى بوليقتوس)، وكنيسة القديس بولس (دشنت عام 596م في عهد الأسقف بوليقتوس)، وكنيسة القديس صوفيا (بنيت في عام 604م، في عهد الأسقف بوليقتوس)، وكنيسة القديس اسطفانوس (دشنت في عام 621م، في عهد الأسقف بوليقتوس)، ودير القديس نيقفور قسطنطينوس (دشنت بتاريخ 28 شباط 623م، في عهد أسقف بصرى بوليقتوس)، وكنيسة القديس بطرس (دشنت بتاريخ 624م، في عهد الأسقف بوليقتوس)، وكنيسة القديس أشعيا (لم يتم معرفة التاريخ الذي أنشئت فيه، ولكن يرجح أنها دشنت في عهد الأسقف ثيودروس، وهذا يعني أنها دشنت في منتصف العقد الرابع من القرن السابع الميلادي، أي بعد عام 635م)، وكنيسة القديس مينا (دشنت في عام 634م، في عهد الأسقف ثيودورس)، وكتدرائية تلعة القرية (المعطيات المادية تشير الى أنها دشنت في بداية القرن السادس الميلادي)، وكنيسة رحيبة (لم يعرف تاريخ الإنشاء، أو الاسم، وذلك لإعادة الاستخدام في الفترة الأيوبية المملوكية، وعلى الأرجح أن تكون قد دشنت في نهاية العصر البيزنطي، وبداية العهد العربي الإسلامي)، وكنيسة القديس يوحنا المعمدان (دشنت في عام 620م، في عهد الأسقف بوليقتوس). ويشار كذلك إلى أنه قد تم الكشف عن خمسة كنائس أخرى لم يتم التنقيب بها بعد، وفي معظمها تقع ضمن أراضي المواطنين، وأهمها كنيسة وسط البلدة شرق المسجد، وكنيسة خزان سلطة المياه.
ثم بعد كل هذا هناك تفصيلات حول كل كنيسة من هذه الكنائس، من حيث الموقع، والمخطط المعماري، والكتابات المكتشفة فيها، وكل المتعلقات المتاحة لكل كنيسة، ثم طرح لأهم المكتشفات الأثرية في المنطقة، وفي تلك الكنائس، مثل القطع الحجرية الفنية، وقواعد الأعمدة، والتاجيات، وقطع الإفريز، وكسر الجواريش الرحوية، والرخاميات، والأرضيات الفسيفسائية.

بيت رحوب

وقبل الانتهاء من التاريخ القديم لرحاب، نعود إلى ما كتبه المطران سليم الصائغ، حول ما يعتقد من أن رحاب بني حسن هي راحوب الآرامية، وفي هذا السياق يقول المطران الصائغ: (رحاب بني حسن هي أيضا مدينة كتابية، فقد ذكرها سفر صموئيل الثاني (10/6) الذي يروي لنا أن ملك بني عمون قد أرسل واستأجر عشرين ألف راجل من مملكة بيت رحوب “”أي رحاب”” الآرامية المجاورة، ومن أراميي صوبا لكي يدعم جيشه، ويواجه جيش داؤد الذي قدم من أورشليم بقيادة يؤآب، إلا أن يؤآب لم يتمكن من فتح المدينة والسيطرة عليها فعاد إلى أورشليم. ويعتقد الكثيرون من علماء الكتاب المقدس أن رحوب التي ورد ذكرها في سفر العدد (13/21) هي رحاب بني حسن. فعندما أرسل موسى النبي رجالا يستطلعون أرض كنعان، صعدوا واستطلعوا الأرض من برية صين إلى رحوب “”رحاب”” عند مدخل حماة. كذلك يرجح عدد من علماء الآثار أن رحوب التي ورد ذكرها في سفر القضاة (18/28) هي رحاب بني حسن. وقد روى سفر القضاة هجرة بني دان واستيلائهم على لابيش، وكان شعب لابيش هادئا آمنا. فضربه بنو دان بحد السيف وأحرقوا المدينة بالنار، وكانت المدينة في الوادي الذي لبيت رحوب).