جريدة عالم السياحة والاقتصاد، تهتم بصناعة السياحة باطيافها ، الشؤون الاقتصادية والبيئة والسياحة الدينية والمغامرة والسفر والطيران والضيافة

وزير السياحة الأردني مكرم القيسي متحدثاً إلى “النهار العربي”.(جورجيو أبو فيصل)

الأردن قادر على المنافسة ،وفي الاردن وصلنا الى مراحل متقدّمة لأنّ السياحة هي نفطنا

1٬018

عالم السياحة- عن النهار العربي

نقل اللقاء الاعلامي  لوزير السياحة معالي مكرم القيسي  اليوم 6/8/2023 مع النهار العربي  حيث يسلط  معاليه الاضواء بصورة واقعية ومشرقة على انفراد الاردن بمواقع سياحية تاريخية وحضارية ودينية وامكانات غير محدودة لانجاح وديمومة النمو السياحي بما يبشر بمستقبل مزدهر لصناعة   السياحة ودعمها للاقتصاد الوطني وفي ما يلي نقل المقابلة كما هي دون تعليق

يُدرك وزير السياحة والآثار الأردني مكرم القيسي جيداً أنّ السياحة هي نفط الأردن، وأنّها ركن أساسي في اقتصاد بلاده. ويتحدث بشغف عن المواقع السياحية والأثرية المنتشرة في طول الأردن وعرضه، مفصّلاً ميزات كل واحد منها.

في سنة العودة القوية للسياحة العالمية، يبدو القيسي مرتاحاً إلى أداء المملكة، وإن يكن يتطلّع إلى أرقام أعلى بعد. برأيه أنّ 2023 هي سنة السياحة بامتياز في الأردن. ومع توسّع الخريطة السياحية في المنطقة، لا يبدو قلقاً على مكانة بلاده، ويبدي ثقته في ميزات تنافسية ستتيح للمملكة الحفاظ على مكانتها، وإن يكن يتطلّع إلى تعاون إقليمي في السياحة.

“النهار العربي” التقى القيسي في مكتبه في عمان، خلال جولة سياحية نظّمتها هيئة تنشيط السياحة الأردنية، واستمع منه إلى رؤيته للسياحة الدينية وتفاصيل خطّة تطوير موقع عماد المسيح، وطموحات الأردن لهذا الموقع، مؤكّداً على توجيهات صارمة من الملك عبدالله الثاني بعدم تغيير معالمه، والحفاظ عليه معلماً أساسياً للحج المسيحي. وهنا نص الحديث:

+نرى طفرة سياحية حول العالم هذا الصيف، وقد بلغت بعض المناطق السياحية طاقتها الاستيعابية القصوى. أين هو الأردن من هذه العودة القوية للسياحة؟

 -حدّدت منظمة السياحة العالمية 2019 السنة الأساس لقياس مؤشرات التدفّق السياحي بشقّيه، الدخل السياحي وعدد الزوار. وبالنسبة إلى الاردن، كانت 2019 من أفضل السنوات بلغة الأرقام. كان فيها الدخل السياحي مرتفعاً وتدفّق الزوار عالياً. وبعدما ضربت سنة 2020 جائحة كورونا العالم كله، كانت 2021 سنة بدء التعافي، و2022  كانت ممتازة، ويمكن القول إننا وصلنا الى أرقام ما قبل كورونا.

ولا شك في أنّ سنة 2023 هي سنة السياحة بامتياز في الأردن. تخطّينا أرقام  2019 وأرقام 2022 . وفي بعض المناطق المعروفة زاد العدد 80%، وفي أخرى لم تكن معروفة، وإن تكن لا تقل أهمية، تجاوز عدد الزوار أحياناً 1000 %.

+تُعتبر السياحة ركناً أساسياً للاقتصاد الأردني، هل يمكن أن نسمع منك بالأسماء والأرقام أهمية هذا القطاع للأردن؟

يشكّل القطاع السياحي نحو 56 ألف وظيفة مباشرة، وهو من أكثر القطاعات التي تشغّل أردنيين (85 %)، ونسبة الإناث ارتفعت إلى 20 في المئة من صفر قبل سنوات.

مواقعنا الرئيسية هي ما نسمّيه المثلث الذهبي، أي العقبة والبتراء ووادي رم.

الموقع الأكثر زيارة في الاردن هو البتراء ويصل عدد زواره عادةً إلى مليون، ومن المتوقع أن يزداد العدد هذه السنة. وتتوافر في المنطقة حالياً 3400 غرفة فندقية، ونحتاج إلى 1000 غرفة فندقية من فئة خمس نجوم لتغطية الطلبات. وفي رم تكون الحجوزات في بعض المخيمات أحياناً مكتملة لمدة شهرين.

وفي الأردن مواقع أخرى لا تقلّ أهمية عن البتراء مثل أم الجمال في شمال شرق الأردن. قدّمنا ملفها للأونيسكو للنظر في إدراجها على لائحة التراث العالمي. وأم الرصاص ايضاً لا تقلّ أهمية عن أم الجمال، وفيهما كنائس بيزنطية بُني نصفها على أيام الامبراطورية البيزنطية وعندما جاء   العباسيون والأمويون لم يحافظوا على الإرث الحضاري والتراثي فحسب، وإنما أيضاً زادوا عليه، وهذا إثبات على التسامح الحقيقي الموجود في العالم العربي، والعالم الإسلامي.

ومن المهمّ الإشارة إلى أنّ الأردن يُعتبر من أكثر الدول التي حافظت على تراثها وآثارها وتمسّكت بهويتها. فخلافاً لبعض الدول التي لديها تاريخ إسلامي وتُسقط أي اشارة إلى تلك الحقبة في التعريف عن آثارها، تصر عمّان مثلاً على تسمية “المدرج الروماني”، محافظة على إرث تلك الحقبة.ّ

+حرصت المملكة الهاشمية دائماً على تعزيز السياحة الدينية وتقديم نفسها مقصداً رئيسياً للحج المسيحي. ما أهمية السياحة الدينية للاردن، وأية رسائل تحرص المملكة على توجيهها عبر التركيز على هذه السياحة؟

-يضمّ الأردن 5 مواقع يعترف بها الفاتيكان كمواقع للحج المسيحي، وهي المغطس وجبل نيبو ومار الياس وكنيسة سيدة الجبل ومكاور، حيث قُطع رأس يوحنا المعمدان، ونعمل على إعادة استكشاف الموقع لترميمه.

أُدرج المغطس على لائحة التراث العالمي عام 2015. حصتي كأردني في الموقع الأردني كانت واحد في المئة من عدد السكان، وعندما ضُمّ إلى لائحة التراث العالمي صارت حصتي كمواطن واحد من 7 مليار، ولكن مسؤوليتي كوزير للسياحة والآثار للحفاظ على هذا التراث هي مئة في المئة.

المغطس حالياً من أهم مواقع الحج المسيحي في العالم. فإذا كانت كنيسة المهد هي مكان ميلاد المسيح وكنيسة القيامة مكان قيامته، فإنّ المغطس هو المكان الذي عمد فيه وانتشرت باسمه المسيحية حول العالم.

وربما يصنّف المسيحيون المغطس الموقع الثالث من حيث الأهمية لدى المسيحيين، ولكنني أعتقد أنّه الأهم كونه مهد ولادة المسيحية.

يقع هذا الموقع جغرافياً في المملكة الأردنية الهاشمية، الدولة ذات غالبية مسلمة والتي يحكمها ملك هاشمي والحفيد المباشر لنبي الاسلام. وبالتالي هذا البلد ذو الغالبية المسلمة يحكمه ملك مسلم حفيد للرسول يحافظ على هذا الموقع المسيحي، ويحميه ويديره.

+ما هو الهدف الأساسي لتطوير موقع المغطس وأين صارت الخطة؟ وهل يمكن أن تغيّر معالم الموقع المقدس؟

-كل دولة تسعى إلى زيادة عدد زوار مواقعها التاريخية. عدد زوار هذا المكان نحو 200 ألف، طموحنا أن يزداد سنة 2023، ولكن التوجّه الملكي واضح وصارم على ألاّ نساوم عدد الزوار على أصالة الموقع. ربما لو كان هذا الموقع في بلد آخر لكانوا أقاموا مشاريع استثمارية ومطاعم وأماكن ترفيه، ولكن مثل هذا الأمر مرفوض هنا بناءً على توجيه ملكي.

وأمر العاهل الأردني بتشكيل هيئة ملكية لإدارة هذا الموقع، وعيّن ابن عمه وهو مستشاره للشؤون الدينية رئيساً لهذه اللجنة لكي يحافظ على هذا الموقع.

أُسأل كثيراً لماذا يزور لورد مثلاً 5 ملايين ولا يزور المغطس الاّ 250 ألفاً؟ ما يهمني أنا أن يأتي المسيحي أو المسلم ويزور الموقع ويمشي على خطى المسيح ويسير في نفس المكان الذي عاش فيه وتعمّد فيه ونفس المغارة التي عاش فيها يوحنا المعمدان ويراهما كما كانا قبل 2000 سنة.

هذا الموقع يقع ضمن مسؤوليتي كدولة ومسؤولية حامل الوصاية على المقدّسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وحامي موقع عماد المسيح.

التطوير سيتمّ في المنطقة المحاذية للموقع المُدرج على لائحة التراث العالمي. ولن يتمّ الدخول إلى الموقع تحت أي ظرف من الظروف. وهناك خطة تطويرية كاملة تشمل ربما متاحف وفنادق وتحفاً شرقية، لاغناء زيارة السائح للموقع.

 

+بين فترة وأخرى يتجدّد الجدل في شأن المكان الحقيقي لموقع عماد المسيح بين الضفتين الشرقية والغربية لنهر الأردن…

-زار الأردن أربعة بابوات، وزياراتهم تؤكّد أهمية هذا الموقع، وأنّه مكان عماد السيد المسيح، بدءاً بالبابا بولس السادس عام 1964، وكان أول حبر أعظم يخرج من روما منذ 1812.

الأمر محسوم من الناحية الأركيولوجية ومن ناحية الوثائق ومن ناحية الفاتيكان.

 

+منسوب مياه النهر تراجع كثيراً. هل الأسباب هي عوامل مناخية فحسب؟ 

-كل الأنهر تراجع منسوبها. انظروا الى الفرات ودجلة. ثمة أسباب عدة لهذه الظاهرة، منها التغيّر المناخي وسنوات الاستخدام لهذه المياه، وطبعاً هناك الاحتلال الاسرائيلي الذي يحوّل بعض المجاري التي يُفترض أن تصبّ في هذا النهر الى أماكن أخرى.

+في ظلّ الطفرة السياحية حول العالم وانضمام دول عدة في المنطقة الى الخريطة السياحية، إلى أي مدى سيتمكن الأردن من الحفاظ على موقعه؟

-المنافسة في كل المجالات مطلوبة، ولكن يجب أن تكون على أسس واضحة. في الاردن تنافس بين الكرك ومادبا وبين وادي رم والبتراء وجبل نيبو.

ويمكن أن يكون هناك تعاون إقليمي يؤدي في المستقبل الى حزمة سياحية يزور بموجبها السائح الآتي في بلد بعيد، الاردن وسوريا وفلسطين والعراق ودول الخليج أو بعضاً منها، في رحلة واحدة.

الأردن قادر على المنافسة لأنّه يتمتع بمزايا عدة، بينها الأذرع في وزارة السياحة والآثار المتمثلة بهيئة تنشيط السياحة التي تأسست عام  1998. قد لا يتمتع الأردن بقدرات دول أخرى لضخ موارد مالية في الترويج، ولكن بناء الخبرات التراكمية تحتاج إلى وقت.

الذراع الآخر هو هيئة الآثار العامة، أقدم الدوائر الرسمية الحكومية وقد تأسست قبل تأسيس المملكة، وبعد الإمارة (إمارة شرق الأردن) بسنتين.

أدرك الأردن مبكراً أهمية السياحة لأننا لا نملك موارد الخليج. والقيادة الهاشمية في الأردن تعلم تماماً أنّه من دون موارد طبيعية يجب أن يكون لديك بديل، والبديل الواضح بالنسبة للقيادة كان التركيز على الموارد البشرية. لذلك ركّزنا على الطب والهندسة والتعليم والاستشفاء وبناء القدرات في ما يتعلق بآثارنا.

الخبرة التراكمية موجودة. وتؤهّل إدارة الآثار العامة الفرق الموجودة لترميم بعض المواقع أو إعادة بنائها من دون مساعدة أجنبية. وهذه الخبرة هي عبارة عن عقود من التراكم.

ميزة أخرى للأردن تكمن في طقسه الذي لا مثيل له في العالم. أضف إلى ذلك كله عناصر الحضارة المتعددة كاللغة، والموسيقى التي تعيد تشكيل الوجدان الأردني الثقافي الموسيقي السياحي من خلال وزارة السياحة.

ولا ننسى المطبخ الأردني الذي يشكّل  ثقافة المجتمع. هناك قائمة تصدر كل سنة وتحدّد أفضل 50 مطعماً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نجح منها 5 مطاعم أردنية. والفارق بيننا وبين الآخرين أنّ هذه المطاعم أردنية صرفة تنافس أفخم المطاعم. والإرث الأردني ليس فقط ملموساً. الاردن الدولة الوحيدة التي تسجّل طبقها التقليدي (المنسف) على لوائح الاونيسكو للتراث غير المادي.

+ خلال مهمتك مندوباً دائماً للأردن في الاونيسكو، ما هي أبرز المشاريع التي عملت عليها؟

 -أعطاني عملي في الاونيسكو شغفاً لموضوع الآثار، وعملنا على كلفات سياسية ايضاً، وفي مقدّمها القدس والحفاظ عليها وعلى هويتها انطلاقاً من وصاية الملك على المقدّسات الاسلامية والمسيحية.

+أخيراً، كيف تقيّم السياحة العربية مقارنة بالسياحة العالمية؟

السياحة العربية دون الطموح. في الاردن وصلنا الى مراحل متقدّمة لأنّ السياحة هي نفطنا. استثمرنا في العنصر البشري وفي التدريب. ربما نعاني مشكلة في النقل السياحي الداخلي، ثمة تشريعات لتطويره. ونجري تدريبات، لزيادة أعداد المتدربين ولكن دائماً ليس على حساب النوعية.