جريدة عالم السياحة والاقتصاد، تهتم بصناعة السياحة باطيافها ، الشؤون الاقتصادية والبيئة والسياحة الدينية والمغامرة والسفر والطيران والضيافة

كيف تضيف المنشآت الصغيرة والمتوسطة للاقتصاد في الدول-بقلم برجس حمود البرجس

1٬522

ذكرت في المقال السابق (1 – 2) عن أهمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة لاقتصادات الدول ودورها الفعال في المساهمة في البناء الاقتصادي والتنموي.

وذكرنا أن 84 % من العاملين في اليابان يعملون في هذا القطاع ويساندون القطاعات الكبيرة والعملاقة; الشركات في هذا القطاع تمثل 99.7 % من الشركات في الولايات المتحدة، وتساهم في 97 % من صادرات الولايات المتحدة، ويعمل بها 39 % من العملاء والمهندسين وتقنية المعلومات والتكنولوجيا ولها نصيب الأسد من مجموع براءة الاختراع بالنسبة لكل موظف.

وذكرنا أيضاً أنها تساهم بشكل مباشر في التوظيف ودخل الدولة من الضرائب بأنواعها والجمارك. إذا كيف تساهم المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة العربية السعودية في النمو الاقتصادي بشكل فعال؟

من أهم عوامل ضعف هذا القطاع حاليا هو ضعف التنظيم والاهتمام من قبل وزارة التجارة والصناعة وقنوات الدعم الحكومية فتجد الشركات تعمل كلٍ على حده ولا تجمعهم مظلة تعمل ضمن خطط مرسومة وواضحة، أيضاً الدعم الحكومي اتجه اتجاها خاطئا، وأصبحت المكافأة فقط لمن يساهم بالسعودة حتى وإن كانت وهمية أو غير منتجة، وكذلك أنظمة العمل والعمال المتغيرة دائما ساهمت في إضعاف هذا القطاع.

وهو ما ساهم أيضا في دعم الشركات الكبيرة والتي تحتكر جميع القطاعات المهمة في البلد. ليس بالضرورة أن يساهم بالتكنولوجيا فقط الشركات الكبيرة، نعم شركات (آبل ومايكروسوفت وآي بي ام وأوريكل) يعمل بهم 750 ألف موظف ويضيفون الكثير لبراءات الاختراع والصناعات التكنولوجية ولكن في نفس الوقت المنشآت الصغيرة والمتوسطة تساهم في دعم هذه الشركات بشكل فعال وتتفوق عليها في بعض المعايير، ذكرنا أن 39% من التقنيين والعلماء والمهندسين يعملون في المنشآت الصغيرة والمتوسطة.

وبالإضافة إلى غياب دور وزارة التجارة والصناعة في تقنين وتخطيط هذه المجالات، أيضا هناك غياب تام لوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات ووزارة المياه والكهرباء ووزارة التعليم العالي وبقية الوزارات والهيئات. في مدينة ديترويت ولاية متشيغان الأمريكية يوجد أكبر ثلاثة مصانع للسيارات وهي (جي ام، فورد، وكرايسلر)، هذه الشركات محاطة بـ 3000 منشأة صغيرة ومتوسطة يساندونها بالاختراعات والصناعات ومساندة أمكنة المصانع وغيرها بالأعمال المتعلقة، حتى أن شركة أرامكو السعودية افتتحت في نفس المدينة مركز أبحاث وتطوير يجري بحوثا في ميكانيكية السيارات وتأثيرها البيئي واستخلاص الكربون من المصادر المتحركة وأبحاث تقنية الوقود بما أن الشركة تساهم في إمدادات البنزين للعالم ، ويهمها انعكاس أفضل التجارب على المنتجات في السعودية.

هذه الشركات والمراكز تعمل تحت منظومة عمل واحدة وليست متفرقة، تجد التنظيم والدعم، وهذا هو دور الرعاية التي يجب أن تحظى به الشركات في المملكة لتنافس هذا التقدم.

المنشآت الصغيرة والمتوسطة نوعان، نوع منتج وآخر خدمي، فالخدمة هي ما نراه في أسواقنا اليوم (مصنع ألمونيوم وأخشاب، مصنع بلاستيك، محلاتجارية، ومواد غذائية، ومطاعم ومخابز)، هذا النوع لا يستطيع توظيف السعودي فيجب عدم التضييق عليه بشروط السعودة فسينتهي بنا المطاف بالسعودة الوهمية مع رفع أسعار السلع.

وهذا النوع من الأعمال يحتاج الدعم المالي وتسهيل المعاملات والإجراءات، ولا نعلق عليه الفوضى الحاصلة حاليا من (تسيب عمالة عائمة وبيروقراطية المعاملات والإجراءات وقتل المنافسة الشريفة) سببه ضعف الأنظمة والقوانين لشؤون العمل والعمال، وشؤون وزارة التجارة والصناعة، هيئة السياحة والآثار ، ولن نبرر أكثر، ولكن لننظر إلى بعض الدول المجاورة وتركيا، حيث نجد أن الأنظمة هي سيدة الموقف، وعلى النقيض في المملكة ومصر وسوريا قبل الأحداث، سنجد غيابا تاما للأنظمة وإدارات غير فعالة وبيروقراطية الأعمال عند البعض.

لا شك أن انتشار المواد المستوردة المغشوشة وجميع أنواع الغش التجاري لا وجود له في الدول التي تعمل تحت أنظمة متقنة وصارمة والدول التي لا يتجرأ موظف الدولة على استلام الرشاوى مقابل تمرير المخالفات، وهنا تطغى المصالح الشخصية على المصالح العامة، وتقتل المنافسة الشريفة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتكون أرضا خصبة لنمو الاحتكار.

أما النوع الآخر من المنشآت الصغيرة والمتوسطة فهي الشركات المنتجة والتي تساهم في توظيف المهندسين وغيرهم من الكفاءات العالية وأيضا المحاسب والإداري وغيرهم. هذا النوع من المنشآت تكون حصة الرواتب من المنتج مرتفعة وذلك للقيمة المضافة فتجد الوظائف بها ملائمة والمنتجات والسلع ذات قيمة مضافة ويمكن تصديرها خارج البلاد أو بأقل تقدير المساهمة في خفض الواردات والتي شارفت على الوصول إلى تريليون ريال عام 2017.

في هذا النوع من المنشآت، لا يمكن أن تتفق المنشآت على العمل دون اتفاق مسبق، وهذا مستحيل، ولكن وجود شركات كبيرة تشتري منتجاتهم بطريقة تنافسية بحيث يكون العمل الجاد سمة لأعمالهم; فعلى سبيل المثال أين دور وزارة الصحة من تطوير صناعات الأجهزة الطبية (الصغيرة مثلا جهاز التنفس والمغذي وإلكترونيات تحليل المختبرات وحتى أجهزة الأشعة)، أين دورها في تطوير هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة لبناء مثل هذه الأعمال التي تساهم في التوظيف والتوطين وخفض الواردات.

أين دور وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي في تطوير صناعات وسائل التعليم، هناك الكثير منها إلكترونيات وصناعتها تساهم كثيرا في التنمية; ولم تطور أنظمة الأعمال بهذا الشن، بل إن المنتج المحلي يُحارب من البعض.

الأعمال تحتاج فكر وريادة وابتكار، وزارة التجارة والصناعة تحارب الغش التجاري، وكذلك بقية الوزارات يحاولون إصلاح المتعثر، انشغلوا بالإصلاح وأهملوا التطوير، ونكتفي في المنتديات والمؤتمرات بترديد «إستراتيجية القطاع الخاص» دون عمل ودعم وتطوير وفكر.

المنشآت الصغيرة والمتوسطة تعاني الكثير والكثير من الجهات التي مفترض أن تكون داعمة ومساندة لبناء منظومة تنموية اقتصادية تدعمها بالأنظمة والرعاية والتمويل.