جريدة عالم السياحة والاقتصاد، تهتم بصناعة السياحة باطيافها ، الشؤون الاقتصادية والبيئة والسياحة الدينية والمغامرة والسفر والطيران والضيافة

رواية تاريخ رحلات الحجاج إلى الحجاز، والأماكن المقدسة، مروراً بالأردن

مصطفى رستم صحافي

724

عالم السياحة:

قمرة قيادة القطار، المطلية بلون أخضر، ما برحت تتربع بحديدها الصلب، أكثر من قرن مضى، أمام بناء معماري أثري فريد يطلق عليه اسم “”، وسط دمشق، حاملة بين ثناياها ذكريات الزمن العتيق، ولا تتوقف هذه الماكينة على الرغم من صمتها، وبكل هيبة، عن رواية تاريخ رحلات الحجاج إلى الحجاز، والأماكن المقدسة، مروراً بالأردن، قبل أن يتوقف ضجيجها على السكة الصامتة.

العربة البخارية الراقدة بكل بريقها ورونقها اللافت، ليست مجرد كتلة من حديد فحسب، بل هي ما تبقى من ركام الخط الحديدي الحجازي، ولقد بدت عجلاتها متأهبة لإطلاق صافرة انطلاق رحلة جديدة بعد توقف آخر رحلاتها بشكل نهائي منذ عام 1917 في أعقاب اندلاع الحرب العالمية الأولى.

دروب السكك الحديدية

ولا يمكن أن يمر حديث الدمشقيين عن تاريخ أداء مناسك الحج في هذه الأيام من كل عام، من دون نبش ذاكرة تغص بالعادات والطقوس، وكانت المدينة منذ زمن، ملتقى للحجيج من بلاد الشام، والعراق، وفارس، وشكلت بوابة لطريق الحج لدول آسيا، في حين مثلت القاهرة بوابة طريق الحج من أفريقيا.

ويعود إنشاء محطة الحجاز لعام 1908، وباشرت أولى رحلاتها بإيصال وفود الحجيج إلى مكة المكرمة، لكن الفكرة راودت السلطنة العثمانية آنذاك في منتصف القرن الـ18 بهدف أن تكون بديلة عن طريق القوافل، التي تستغرق نحو شهر ونصف الشهر، وصولاً للأراضي المقدسة، واختصرت الرحلة مدة خمسة أيام، ويبلغ الخط السككي 1320 كيلومتراً يصل بين دمشق والمدينة المنورة.

واستفيد من إنشاء الخط لنقل المسافرين، والجنود في أوقات الحرب، والبضائع والآلات، ومن محطاتها الرئيسة حينها، دمشق، المزيريب، درعا، الزرقاء، عمان، حيفا، معان، تبوك، مدائن صالح، المدينة المنورة، كما تشير الوثائق التاريخية إلى المباشرة في بدء تأسيس المحطة والخط الحجازي في عام 1900 في زمن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، على الرغم مما واجهه العمال من مشقة وقساوة الظروف في إنشاء السكة.

المحمل والصافرة

ويوصل الشارع الشهير باسم “الحلبوني” من جهة، ومن شارع “النصر” من جهة ثانية، إلى محطة الحجاز المتاخمة لسوق الحميدية بدمشق القديمة وقلعتها.

وتروي المتخصصة في الآثار والتراث المادي عفاف شعبو إلى منزلة هذا القطار في حياة الدمشقيين، فقد اختصر مشقة السفر 40 يوماً متواصلة عبر ما يسمى “المحمل الشامي”، إذ اختصرت السكك الحديدية أعباء تكبد الحجيج مشاق السفر، ومخاطر أمنية كانت تواجه السائرين بين الجبال والسهول، كقطاع الطرق، على الرغم من توفير السلطنة العثمانية، في ذلك الوقت، نقاط حراسة منتشرة على طول الطريق.

وتضيف شعبو، أن هذا القطار تحول بعد تعطله، عام 1917، إلى قطار يجوب أرياف العاصمة عبر سياحة داخلية،” لا سيما في الزبداني وبلودان في الشمال الغربي لدمشق، وأعالي الجبال المحيطة بها، كسرغايا، ودمر، والهامة، وعين الخضرة، وعين الفيجة، ووادي بردى، وارتبطت هذه الرحلات بالسياحة الشعبية وبذاكرة الدمشقيين، وكان يطلق عليها تسمية “السيران” الأسبوعي.

العودة للاستثمار من جديد

وفي وقت تعود الذاكرة الدمشقية إلى مشاهد تجمع الناس أمام الجامع الأموي لمشاهدة ما يسمى “المحمل الشامي”، ووضع “السنجق” (علم مطرز بآيات قرآنية) على الجمل، ويبدأ رحلته من أمام الجامع الأموي وسط حضور رسمي وعسكري كبير من أفراد السلطنة العثمانية، وعلى رأسهم والي دمشق، وكبار الموظفين، ضمن حفل وداع المسافرين إلى الحرمين الشريفين.

في غضون ذلك، أثار قرار وضع محطة الحجاز في عام 2020 بالاستثمار، بما يقارب مليون دولار، لتحويلها إلى منشأة سياحية، حفيظة الناشطين في المجال التراثي والمهتمين بالشأن الأثري، رافضين الفكرة، ومعتبرين أن المحطة جزء من تاريخ دمشق، ومن الصعب التفريط في هذا التاريخ بهذه السهولة، وتضم المحطة في داخلها متحفاً متكاملاً لأدوات السكك الحديدية، وصافرة إنذار للطائرات المقاتلة، ومقتنيات لاختراعات في مجال النقل والاتصالات كالهواتف، ومقتنيات لآلات قديمة.

وما زال الخط الحديدي الحجازي يحمل اسم مؤسسة عامة في سوريا، وتوفرت معلومات عن مفاوضات طويلة الأمد بين سوريا والأردن حول تفعيل الخط بين البلدين بهدف وضعه بالخدمة والاستثمار وذلك لتحقيق مكاسب سياحية وتجارية. ويرى متابعون أن الأمر، إذا تحقق، سيقلص المدة الزمنية ويوفر مشقة كبيرة في نقل البضائع بين الجانبين من وإلى سوريا وبالعكس.