تأثيرات محتملة لحرب أوكرانيا على السفر الجوي في أوروبا
سايمون كالدر
حطّت الرحلة رقم 131 لـ “طيران الهند” Air India الآتية من مومباي في مطار هيثرو في لندن، في وقت متأخر. وقد تزامن انطلاق الرحلة من تلك المدينة الهندية مع التحرك العسكري الروسي في أوكرانيا.
وفي العادة، يقتضي قطع مسار الرحلة الأكثر مباشرةً لطائرة من دلهي إلى لندن، التحليق قرابة الساعة في أجواء أوكرانيا. وبدلاً من ذلك، حرصت الطائرة وهي من نوع “بوينغ 787″، على البقاء على بعد 200 ميل (322 كيلومتراً) على الأقل إلى الجنوب كي تعبر أجواء تركيا بدلاً من أوكرانيا، فتصل متأخرةً بنحو نصف ساعة عن موعد هبوطها في مطار هيثرو.
سيصبح هذا المشهد مألوفاً خصوصاً بعدما حظر وزير النقل البريطاني غرانت شابس يوم الخميس الماضي على الطائرات التي تسافر من مطارات المملكة المتحدة وإليها، استخدام المجال الجوي الأوكراني.
وفي غضون ذلك، تتواصل رحلات الطيران فوق روسيا، وهو المسار الذي يستخدمه عدد من خدمات الطيران المدني بين أوروبا وآسيا.
جدير بالتذكير أنه في شهر يوليو (تموز) 2014، جرى إسقاط الرحلة رقم 17 لـ”الخطوط الجوية الماليزية” MH17 بصاروخ أُطلق من منطقة في أوكرانيا يسيطر عليها انفصاليون موالون لروسيا، ما أدى إلى مصرع جميع الذين كانوا على متنها من ركاب وطاقم، وعددهم 298 شخصاً.
وفي الواقع تشكل مسارات الطيران الطويلة الرامية إلى تجنب التحليق في المجالات الجوية الخطيرة ومناطق حظر الطيران، مجرد جانب واحد من المصاعب التي تواجهها شركات الطيران نتيجة المأساة التي تتكشف معالمها في أوكرانيا.
فبالنسبة إلى شركات الطيران في المملكة المتحدة وغيرها في أوروبا، أثارت العمليات العسكرية التي يقودها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد جارته أوكرانيا، مجموعةً واسعةً من المخاوف التي من شأنها أن تعيق أي تعاف من آثار وباء كورونا قد يشهده قطاع الطيران المدني.
واستطراداً، فإن العمليات الجارية الآن التي أمر بها الكرملين ليست جديدة، بل يعود تاريخها إلى 31 عاماً، تحديداً إلى الساعة التي أطلقت فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها عملية تحرير الكويت. في ذلك الوقت، كان جرى تحويل مسار طائرات المسافرين من أستراليا إلى المملكة المتحدة، إلى نيروبي في كينيا للتزود بالوقود، بدلاً من التوجه إلى أي دولة تقع جغرافياً قرب مناطق النزاع.
ومع انطلاق عملية تحرير الكويت في فبراير (شباط) 1991، أحجم آلاف من الركاب الذي حجزوا رحلاتهم، عن السفر، حتى لو كانوا يريدون مجرد الانتقال بين المملكة المتحدة وإسبانيا.
وما يُعد أكثر خطورةً بالنسبة إلى شركات الطيران، أن الركاب المحتملين تراجعوا [عزفوا] ببساطة عن السفر، ولم يعملوا على حجز رحلات أخرى. وحينما تغلق دول مجالها الجوي بسبب الحروب، تدعو الشركات موظفيها إلى الامتناع عن السفر جواً فيتراجع في المقابل عامل الثقة لدى المسافرين بقصد الاستجمام وتمضية العطلات.
وفي الوقت الذي تحاول فيه شركات الطيران إقناع المسافرين بأن التهديد الذي يمثله وباء “كوفيد- 19” قد تلاشى، فإن الثقة تظل عاملاً بالغ الأهمية. وقد يستنتج أفراد كثيرون ممن ينوون قضاء عطلاتهم خلال فصل الصيف، بأن الالتزام بحجوزاتهم يبدو ضرباً من التهور.
وإضافةً إلى الركود المحتمل في الطلب على السفر، تواجه شركات الطيران مشكلة ارتفاع التكاليف. ومرد ذلك أن الوقود الذي يشكل في كثير من الأحيان فارقاً [عاملاً وازناً] في حسابات الربح والخسارة بالنسبة إلى شركات الطيران، قفزت تكاليفه صعوداً بعد تواتر أنباء الغزو الروسي لأوكرانيا. وبلغ السعر الفوري لخام برنت أعلى مستوى له منذ 2014.
في المقابل، أظهر مؤشر آخر للأسعار، المشكلات التي تواجه أكبر شركة طيران اقتصادي في أوروبا. ففي 27 مارس (آذار)، كان من المقرر أن تسير شركة “رايان إير” Ryanair رحلات بين مطاري “لندن ستانستيد” وأوديسا في جنوب أوكرانيا. وتُعرض في الوقت الراهن تذاكر الذهاب للرحلة الافتتاحية على هذا الخط، بـ 4.99 جنيه استرليني (أقل من 7 دولارات أميركية).
ومن المتوقع أن يخسر عملاق النقل المدني أرباحاً قليلة إذا ما واصل تلك الرحلات، خصوصاً أن كلفة السفر تمثل نحو 38 في المئة من “رسوم ركاب الطيران” Air Passenger Duty التي يتعين على شركة “رايان إير” أن تدفعها. في المقابل، إذا استمر حظر السفر على الرحلات إلى أوكرانيا ومنها وعبرها، فستُمنى الشركة بخسائر أكبر بكثير.
وفيما حقق الطيران المدني في مختلف أنحاء العالم مستويات غير مسبوقة من الأمان، إلا أن مسافرين محتملين قد يحجمون عن إنجاز رحلاتهم ويقررون البقاء في أوطانهم.
وعلى المدى الأقصر، ألغت شركة “ويز إير” Wizz Air الهنغارية رحلاتها بين مطار لوتون في المملكة المتحدة ومطاري كييف ولفيف. وعلقت “رايان إير” و”الخطوط الجوية الدولية الأوكرانية” Ukraine International Airlines (UIA) ، الشركتان الأخريان اللتان تنقلان ركاباً بين المملكة المتحدة وأوكرانيا، رحلاتهما إلى تلك الوجهات.
تبقى الإشارة أخيراً إلى أن عدم توافر رحلات جوية، سيصعب عملية إجلاء المواطنين البريطانيين الموجودين في أوكرانيا، وإعادتهم إلى المملكة المتحدة.
© The Independent