جريدة عالم السياحة والاقتصاد، تهتم بصناعة السياحة باطيافها ، الشؤون الاقتصادية والبيئة والسياحة الدينية والمغامرة والسفر والطيران والضيافة

قلعة شيزر شمال غربي مدينة حماة السورية

419

عالم السياحة:مواقع سياحية

تقع قلعة شيزر شمال غربي مدينة حماة السورية، متركزة على صخرة متصلة بالهضبة الشرقية المشرفة على سهل الغاب، إلى جنوب قلعة المضيق وعلى الضفة الغربية لنهر العاصي، ومتوسطة التخطيط القديم بين أفاميا وقلعة حماة، في مكان كان أكروبول المدينة القديمة “سيزار”.

شبه جزيرة

تتموضع كتلة القلعة على طول 450 متراً فوق جرف صخري يرتفع ما يزيد على 40 متراً عن محيطها من جهة الغرب، وتفصلها عن السفح الصخري المتصل بها في الجنوب قناة عميقة، يحدّها نهر العاصي من الشرق، ويحيطها كخندق على شكل قوس على كامل الجهة الشرقية، ومن ثم يمتد للشمال ليؤازرها ويؤمن لها حماية ومناعة طبيعية، فهي تُعدّ شبه جزيرة بوضعيتها الجغرافية، وضاعف مناعتها بناء خندق صناعي في الجهة الغربية، جاء كفاصل بين القلعة والجرف الصخري.

تاريخ

أسست هذه القلعة في الأصل كمستوطنة عسكرية سلوقية نهاية القرن الرابع قبل الميلاد، وكان يطلق عليها اسم “لاريسا”، ونظراً إلى قربها الشديد من المخاضة (مجرى مائي ضحل)، حازت على أهمية محلية كبيرة على مدار قرون عدة، ولذلك لعبت دوراً مهماً في الصراع بين الإمبراطور نيقفور فوكاس Nicephorus Phocas والأمراء العرب في شمال سوريا وتبادلتها الأيدي مراراً في هذه الحقبة.

ومن ثم أصبحت شيزر في أواخر القرن الحادي عشر مقراً للأسرة المنقذية، وهي واحدة من السلالات العربية، وعندها حازت على أهمية كبيرة كقاعدة هجومية استخدمها الحكام العرب في شمال سوريا. وفي أوائل القرن الثاني عشر، حاصر الفرنجة القلعة أكثر من مرة من دون أن يستطيعوا السيطرة عليها، كما حاصرها يوحنا الثاني كومنين، إمبراطور بيزنطة بين 1118-1143، واضطر إلى رفع الحصار على عجل بسبب عدم توافر الدعم الفرنجي الكافي له.

وعام 1157، تعرضت المنطقة لهزّة أرضية مدمرة أصابت القلعة بأضرار فادحة، قُتل على إثرها أمير القلعة وعائلته، ثم بعدها حاول الفرنجة الاستيلاء عليها، بعدما أصبحت عزلاء، إلا أن الإسماعيليين في مصياف حالوا دون ذلك.

المدخل

أول ما يقابل زائر القلعة، درج حجري يقود إلى مدخلها الرئيس من جهة الشمال، إذ يقوم الدرج على جسر حجري يزيد على 80 متراً، كان في الماضي جسراً خشبياً يرتكز على طبقتين من القناطر، ويربط بين منسوب أرضية المدينة ومنسوب القلعة، بحيث يؤمن للزائر انتقالاً آمناً من الطريق المعبّد إلى البوابة

وللبوابة عتبة عادية مستقيمة يتقدمها سقف على شكل قوس منكسر، وتزيّن واجهتها الأمامية نقوش عربية تعلوها مرامٍ للسهام وأطلال شرفة، وعلى يمين المدخل من الخارج كتلة كلسية هرمية ضخمة تحمل جدران القلعة المهدمة.

منشآتها الحالية

كان للقلعة 14 برجاً، لم يبقَ منها سوى أربعة، وأهم ما فيها اليوم برجها الجنوبي، الذي جُدّد في العصر الأيوبي، والمطل على خندق يملؤه نهر العاصي، بنيت جدرانه من قطع حجرية بارزة تتخللها أعمدة توثّق ارتباطها مع الأجزاء الداخلية، وعلى واجهته نصوص محفورة تنسب بنائه إلى الملك العزيز محمد بن الظاهر غازي عام 1232. والبرج الثاني هو برج باب القلعة أو البوابة الكبرى، ويبدو أنه جُدد في العصر الأيوبي، ومن ثم طرأ عليه ترميم بسيط في العصر المملوكي، استُخدم في بنائه الحجر الكلسي الكبير الحجم لبناء المداميك والأعمدة للربط الأفقي في الجدران لإكسابها المتانة والقوة، ونقشت عليه كتابة تنسب تجديده إلى السلطان قلاوون 1290.

مفتاح سوريا الداخلية

زاد موقع القلعة الحربي من الأطماع حولها، بخاصة أن الوصول إلى سوريا كان يتم عبر طريقين من الشمال، طريق بحرية تمر في اللاذقية وهي الطريق التي اختارها الإسكندر وكثير من الغزاة الآشوريين، وطريق داخلية تماشي العاصي إلى حماة فحمص، ثم تنعطف غرباً مع وادي النهر الكبير حتى البحر شمال طرابلس، أو أنها تستمر من حمص في سهل البقاع، وتتصل أخيراً بالساحل الغربي جنوباً. أما الطريق الثانية، فلا بد لمن اختارها المرور بأفاميا ونظيرتها الجنوبية شيزر المتاخمة لوادي العاصي، وهي الطريق التي سلكها معظم الفاتحين المصريين والبابليين مثل رعمسيس ونبوخذ نصر.

وبذلك، اعتُبر موقع قلعة شيزر مفتاح سوريا الداخلية، وهذا ما أبقى أنظار البيزنطيين مسلّطة عليه، إذ استخلصوها مراراً وتكراراً من العرب ثم خسروها.

زلزال مدمر

حاول الفرنج تكرار الاستيلاء على القلعة ولكن من دون جدوى، نظراً إلى مناعتها الطبيعية ومتانة حصونها، إضافة إلى الزعامة المنقذية التي أنقذتها كل مرة من السقوط. ثم وفي عهد تاج الدولة ناصر الدين محمد، وهو آخر الأمراء المنقذين، حدثت مأساة قضت على بني منقذ بأسرهم، وذلك أثناء مشاركة العائلة بكاملها في وليمة خاصة، إذ ضرب القلعة زلزال عام 1157 الشهير، الذي هلك فيه عدد لا يُحصى من الأفراد، وخرّب حماة وشيزر وكفر طاب والمعرة وحمص وحصن الأكراد، ولم ينجُ من بني منقذ سوى زوجة تاج الدولة التي انتشلت من تحت الردم، وكذلك أسامة بن منقذ الذي كان خارج شيزر، إلا أن نور الدين زنكي، حاكم دمشق عاد وعمّر شيزر وأسوارها ودورها عام 1168.

وقال في هذه الحادثة عماد الدين الكاتب الأصفهاني، مؤرخ عاصر الدولة النورية والأيوبية، “وما زالوا مالكي شيزر ومعتصمين بحصانتها، ممتنعين بمناعتها، حتى جاءت الزلزلة في سنة نيفٍ وخمسين فخرّبت حصنها، وأذهبت حسنها، وتملكها نور الدين عليهم وأعاد بناءها، فتشعبوا شعباً، وتفرقوا أيدي سبأ”