د. طالب الرفاعي
قبل حوالي اسبوعين، جلست، كما فعل الكثيرون، اشاهد مراسم تنصيب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة الامريكية ولفت نظري بشكل خاص اغنية معروفة جدا في الولايات المتحدة غنتها جنيفر لوبيز وهي من بورتوريكو، من اصول لاتينية، كما تسمى في امريكا، وتترجم كلمات الاغنية كالاتي:
“هذه الارض لك، هذه الارض لي، من كاليفورنيا الى جزيرة نيويورك ……………، هذه الارض وجدت لتكون لك ولي”، وفكرت في حينها كيف يكون شعور السكان الاصليين في امريكا ( الهنود الحمر) كما نسميهم عند سماعهم تلك الاغنية، خصوصا كوني اردني و على ارتباط وثيق بفلسطين و اهل فلسطين.
والغريب في الامر ان الاغنية لاقت ولا تزال قبولا وشعورا وطنيا كبيرا ولم يتوقف احد لمناقشة الامر، تخيلوا لو غنى احدهم فقال لليهود اوللفلسطينيين “هذه الارض لي وهذه الارض لك من شواطىء البحر الابيض الى نهر الاردن ، هذه الارض وجدت لتكون ولك ولي”.
لكانت قامت الدنيا و لم تقعد لا فلسطينيا ولا اسرائيليا فما هو الفرق ولماذا نحن هنا وهم هناك، على الرغم من ان الوضع شبيه بوضعهم فالسكان الاصليون للارض، الهنود الحمر، كانوا لسنوات وقرون كثيرة يعيشون ويملكون الارض الى ان اتى المحتلون من اوروبا حاربوهم و انتزعوا منهم الارض و محوا تاريخهم تماما وفرضوا نظاما جديدا . لماذا الاستراليون ايضا تربطهم بالسكان الاصليون علاقة شبيهة ، حتى في جنوب افريقيا وفي نظام الاستقلال ، بعد الابارتايد ليس هناك شعور شبيه بالذي بين الفلسطينين و الغاصبين الصهاينة. هذه اسئلة يجب ان نجيب عليها كي يكون لنا وضعنا الصحيح عالميا و تاريخيا.
الوضع الفلسطيني يتلخص في شعب عريق لديه ارض و ثقافة و شخصية، جاءته عصابات من اوروبا لتقيم كياننا لفئة خاصة من البشر، شعب الله المختار، واقاموا كياننا مختلفا تماما كانها ارض بدون سكان الى هنا الوضع شبيه بالنموذج الامريكي او الاسترالي او حتى جنوب افريقيا اثناء الابارتايد. الفرق الحقيقي هو في الفترة التاريخية و طبيعة الغاصب لدينا ونواياه ليس فقط المحلية بل الاقليمية و طبيعة النظام الذي اشاده في السبعين عاما الماضية.
القضية الفلسطينية لم تسوق وتروج كقضية حقوق فنحن هنا اقرب للنموذج الجنوب افريقي، حيث الاغلبية السكانية مازات و ستبقى في صالحنا فاليوم و بالرغم من جميع محاولات الصهاينة تفريغ الارض الا اننا نرى ان الاحتلال يسيطر اليوم على ارض فيها ما بين الضفة الغربية و اراضي ال 48 و غزة حوالي 7 مليون فلسطيني مقابل 6 مليون اسرائيلي يهودي هذا اليوم اما غدا فان نسبتنا ستزيد بدون شك ، هذا طبعا بدون حساب فلسطينيي المهجر اللذين ما زالوا بعد اكثر من سبعين عاما يترقبون لحظة عودتم.
لقد قاد نتنياهو و زمرته الاسرائيليين الى حافة الهاوية فالمشروع الصهيوني الذي يقوده نتنياهو لا يمكن له ان ينجح الا اذا حصل عل الارض من دون السكان وقد خسروا المعركة، في نظري على الاقل وذلك من خلال اصرار الفلسطينيين على البقاء على ارضهم ووعيهم لهذه الحقائق وباصرار الصهاينة على يهودية الدولة وعدم الاعتراف بضرورة وجود دولة فلسطينة ولا باي حقوق للفلسطينيين.
و تماما كما حصل في جنوب افريقيا حيث خرج مانديلا من السجن وقاد بلاده الى فجر جديد، سوف تخرج قيادة فلسطينية جديدة من السجون الاسرائيلية لتقود المرحلة الاخيرة لهذا الشغب العظيم لتحقيق حقوقه الانسانية والغير قابلة للمساومة هذا الشعب الذي لم ولن يكون مصيره مصير السكان الاصليين في امريكا او استراليا.
اسرائيل دولة لليهود فقط ولا يعترفون باحد اخر، يمكن لاي يهودي في اي مكان في العالم ان ياتي الى فلسطين و يصبح مواطنا بكل حقوق المواطنة ، بينما ليس للسكان الاصليين الفلسطينيين اية حقوق و قد شجع الاسرائيليون الصهاينة، هذا النموذج بل زرعوا الرعب في نفوس السكان الاصليون في محاولات مستمرة لطرده من الارض و لم يحاولوا ولو بشكل اصطناعي ان يتقربوا من اصحاب الارض الاصليين فنمت اجيال على رفض الاحتلال بل واصبحت الاجيال القادمة اكثر اصرارا على بقاءها في ارضها و التمسك بحقوقها، وهي لا تخشى الا ربها، انظروا الى مثال عهد التميمي. الفتاة الفلسطينية الصلبة التي لم تشهد 1948 ولا حتى 1067. فهي تمثل المستقبل الفلسطيني، وفي هذه الاثناء زاد الاسرائيليون من عنادهم واصرارهم على ان لا وجود للفلسطينيين، واصرارهم على بناء كيان شبيه جدا بالابرتايد بالرغم من فشل هذا النظام تاريخيا، وهنا مكمن ضعفهم فليس هناك اي مستقبل لكيان مبني على الفصل العنصري في هذا الزمان، خصوصا اذا كانت لدينا اغلبية سكانية ، انظروا الى السياسة.
المتبعة في التعامل مع مطاعيم الكورونا و تتضح الصورة الحقيقة لهذا الكيان و الذي لابد له ان ينتهي كما انتهى في جنوب افريقيا ، خصوصا اننا على عكس السكان الاصليين في الولايات المتحدة او استراليا نملك و لا نزال الاغلبية السكانية و هنا تكمن القضية الاساسية ،فلا بد لنا كفلسطينيين و كعرب من ادراك هذه الحقائق و التعامل معها بذكاء.
و التعامل بذكاء يتطلب منا كفلسطينيين و كعرب ان نقوم ببساطة بتدعيم ثبوت الفلسطينيين على ارضهم باي تمن وكشف طبيعة هذا الكيان الصهيوني. والتعامل مع كل ساكن على الارض ، مسلم ، مسيحي او يهودي مستعد لقبولنا، تماما كما حصل في جنوب افريقيا حيث انتهى نظام ابارتايد نهائيا عندما بدآ ينضم تدريجيا اعدادا اكبر من البيض الى جانب الافارقة السود في نضالهم. فهذا وحده مقتل الدولة الصهيونية بدل محاولات التطبيع والغزل الذي اصبح الكثير من العرب يمارسونه ربما لا يجد احد مننا اي جديد في ما قول و لكن العالم لا يراها كذلك فقد حاولنا لسنوات طويلة مقاومة الدولة الصهيونية وخضنا حروبا عديدة على هذا الاساس الوطني وخسرنا في معظمها وزاد تشريد شعبنا ، بل قبلنا بحل الدولتين ، وهو في نظري خيار سيء جدا لانه يعطي الشرعية لكيان صهيوني ايا كان حجمه و حدوده بالنمو والازدهار مقابل ان تكون هناك دولة فلسطينية، وهذه الدولة لن تكون بافضل من افضل دولة عربية محيطة و هذا لا يلبي طموحات الشعب الفلسطيني او العربي. ان الصهاينة اليوم لا يريدون حل الدولتين، حسنا ،نحن ايضا لا نريد حل الدولتين.
انا ادرك انني بما اقول افتح على نفسي سيلا غير منقطع من النقد، بل الهجوم، ولكنني لن اساوم على قناعاتي. منذ فترة وجيزة قال د مروان معشر، والذي اكن له تقديرا واحتراما خاصا، في محاضرة له كلاما مشابها وواجه كما توقعنا سيلا من النقد ، فقال الاستاذ مجيد عصفور مثلا.
“اخيراً لا بد من التذكير والتأكيد أن قضية فلسطين هي قضية شعب صاحب أرض منذ الأبد وللأبد، وليست قضية سكان أو جالية كبيرة يجري البحث عن كيفية إعاشتها. “
نحن بالطبع لسنا “جالية”، نحن شعب له حقوقه ، فلنحارب لنحصل على هذه الحقوق ،كاملة و غير منقوصة . للجميع الحق في وجهة نظرهم و كما احترم حق الجميع في الاختلاف ، اتوقع ان يحترم الاخرون حقي في راي ، مهما كان مختلفا او مستفزا.
كما قلت ، هم لا يريدون دولتين، حسنا، ونحن نريد دولة واحدة من النهر الى البحر سموهاا ما تريدون الان فالاغلبية الفلسطينية الحاكمة سوف تقرر ذلك في الوقت المناسب و ليكون فيها كل من يحس انه يريد بناء هذا الوطن ، ايا كان اسمه الان . فنحن افضل منهم بكثير. ولن ترتكب أخطاءهم لن نكون كالذين خرجوا من الهولوكوست و فعلوا بشعب اخر ما حدث معهم ، .
اما ان ان الاوان ان يتحول نضالنا الى نضال حقوقي بدل ان نبقيه نضالا وطنيا يهدف في الواقع الى حل يدعو الى الحفاظ على دولة يهودية عنصرية و الى قيام دولة فلسطينية منزوعة الدسم لا امل فيها؟