جريدة عالم السياحة والاقتصاد، تهتم بصناعة السياحة باطيافها ، الشؤون الاقتصادية والبيئة والسياحة الدينية والمغامرة والسفر والطيران والضيافة

كتب معالي الدكتور نضال القطامين: أوامر الدفاع الإقتصادية .. المراجعة قبل الكارثة

*آن أوان هذه المراجعة *انتهاج المرونة والتفكير خارج الصندوق في معاضل العلاقة بين صاحب العمل والعامل والدولة

1٬119

عالم السياحة:مقالات :في منتصف جهود الدولة الحصيفة للسيطرة على الوباء، وفي سياق إجراءات حماية موظفي القطاع الخاص، جاءت أوامر الدفاع الصادرة بمقتضى قانون الدفاع، لتنظيم العلاقة بين صاحب العمل والعامل، وتبعا للهدف العام، فقد أوقف هذا الأمر، موادا متعددة من قانون العمل ومن نظام العمل المرن، كان المشرّع قد أوجدها لتحقيق التوازن بين طرفي العمل.

لقد حمل أمرا الدفاع 6 و9 مهمة الحفاظ على موظفي القطاع الخاص باي ثمن، واجتهد في فرض مواد اعتقد انها ستنظم العلاقة بين أرباب العمل والعمال، وقد رأت الحكومة أن إصدار هذه الأوامر ضروريا في تلك الفترة التي رأت الدولة حتمية التدخل بعد فرض حظر شامل للتجول في المملكة.

غير أن بعض مواد الأمرين، حملت بدائلا وحلولا كارثية مجتزأة، لن تحقق الهدف ولم تكن في صالح المؤسسات والشركات الصغيرة والمتوسطة ولا في صالح موظفيها، فبات طلب مراجعة هذه الأوامر تبعاً لذلك، في مصلحة الإقتصاد الوطني، قبل فوات الأوان.

وحيث أن الأوامر قد ألزمت هذه المؤسسات والشركات بثلاثة حلول للتعامل مع موظفيها خلال سريان قانون الدفاع، فإنه ينبغي إعادة البحث في هذه الحلول، مع الإحاطة الشاملة بظروف عمل هذه المؤسسات واستمراريته، فضلا عن مراجعة لإدارة موضوع التعطل في الضمان الاجتماعي بحصافة تضمن حق العامل وصاحب العمل.

لا يمكن للشركات الملتزمة بتشغيل كامل موظفيها العمل بكامل طاقتها البشرية ولا بجزء كاف من هذه الطاقة لأنه عليها الإلتزام بشروط التباعد الاجتماعي والتأثر بضعف استهلاك المنتجات وقلة الزبائن، وحكما فإنها لا تستطيع منح كامل موظفيها كامل رواتبهم او حتى بالاتفاق معهم على دفع 70% من الراتب، لعدم وجود سيولة كافية، ومع استمرار الوباء وفق أخباره العالمية، فإن هذه المؤسسات والشركات ستضطر في النهاية الحتمية لخيار إيقاف العمل وتسريح الموظفين، وستشهد معدلات البطالة ارتفاعات كارثية، فضلا عن الأثر الكبير لإيقاف هذه المؤسسات الوطني ولو كان الإيقاف مؤقتا.

في جانب آخر، فإن هناك نوعا من الشركات والمؤسسات تعتمد كليا على سلاسل الاتصال الخارجية وسلاسل التوريد المرتبطة بالعالم وقد تأثرت لفترات زمنية طويلة قادمة بصورة مباشرة وقوية مثل القطاع السياحي والقطاع التعليمي وقطاعات مماثلة اخرى متعددة.

وفي ظل عدم تمكن هذه المؤسسات والشركات من تغيير نماذج أعمالها في العمل المرن والعمل عن بعد، وفي ظل إصرار الوزارات المعنية بكل قطاع من هذه القطاعات على التقيّد بالتشريعات المعيقة قبل الوباء، فإن نشاطها سيتوقف حتما، ولن يكون بوسعها الاستفادة من حلول أوامر الدفاع ولن يكون بمقدورها تنفيذ هذه الحلول وستصبح عاجزة حتى عن دفع نسبة الـــ20%.

ماذا يمكن للحكومة أن تعمل في هذه الظروف؟ عليها الخروج بالتفكير في الحلول من إطار التفكير القديم قبل الكورونا، لمواكبة المتغيرات المتسارعة في النظم الإقتصادية في العالم والأمثلة في الدول المتقدمة على ذلك كثيرة.

وعلى عقلها المفكّر، أن يجلس مع القطاعات المتأثرة بشكل فوري ومباشر وغير مباشر، وأن يضع اقتراحاتهم على طاولة النقاش، على أن يكون ذا قلب وعقل مفتوحين، لإطلاق مراجعة شاملة للنصوص التشريعية المعيقة وتغييرٍ في نماذج العمل المرن وآليات العمل عن بعد وقواعد التباعد الاجتماعي، في مختلف القطاعات ومن بينها تلك التي لا يمكنها الاستمرار سوى بهذا النمط من العمل مثل قطاعات السياحة والتعليم المدرسي والجامعي والتدريب الحكومي والترفيه المنزلي والنقل والاتصالات وغيرها.

إن من شأن هذه الخطوة المهمة والفرصة الذهبية، توفير فرص عمل إضافية بدلا عن ضياع الوظائف، بل وفتح آفاق واسعة للشباب الأردني للعمل وفق هذه المنهجية، في قطاعات خدمية عديدة في دول الخليج ودول الإقليم.

ماذا سيكون البديل في حال إحجام الحكومة عن هذا الطرح، مؤكد أنه سيكون بالمطالبة بحقه بتفعيل المادة 31 من قانون العمل التي منحت صاحب العمل حق إعادة الهيكلة للموظفين ذوي العقود غير المحددة (وحتى العقود المحددة بمدة ) إذا اقتضت ظروفه الاقتصادية أو الفنية، وهذه بالطبع نتيجة كارثية، على الإقتصاد الوطني في المجمل.

لا يعقل في عصر التسارع وفي الظروف التي تحكم عمل قطاعات التعليم مثلا، أن تقيّد تشريعات التعليم العالي الاعتراف بعدد قليل من الجامعات التي تدرّس وتمنح الشهادات عن بعد، في حين أن هيئة الإعتماد البريطانية مثلا، تمنح هذا الإعتراف لعدد كبير جدا من الجامعات بما فيها جامعه اكسفورد على سبيل المثال بل وتعتمد على منصات تعليمية قائمة تملك ادوات ضبط الجودة وتمكنها من اعتماد شهاداتها.

ولأن العالم يتجه في سياق التعامل مع الوباء، نحو تكريس العمل المرن، العمل عن بعد، فإنه آن أوان التقاط هذا التطوّر الذي يمضي العالم الإقتصادي باتجاهه، وتكريسه في الإقتصاد الوطني بوصفه أحد الحلول الناجعة لهذه الأزمة المتفاقمة.

أنا على ثقة تامة، أن انتهاج المرونة والتفكير خارج الصندوق في معاضل العلاقة بين صاحب العمل والعامل والدولة، سيفضي حتما لحلول مريحة لأطراف الإنتاج، وتحد حتما من تسريح العمالة إن لم تطلب عمالة إضافية.

فهل نشهد مراجعة سريعة لهذه المقترحات؟

جاء في المادة العاشرة من أمر الدفاع السادس الصادر بمقتضى قانون الدفاع، أنه “ستتم إعادة النظر بما ورد في أمر الدفاع هذا والتعليمات الصادرة بمقتضاه بشكل شهري أو كلما اقتضت المصلحة ذلك بمقتضى بلاغات يصدرها رئيس الوزراء لهذه الغاية”.

لقد آن أوان هذه المراجعة.