يعلم جميع من خدم في الأجهزة العسكرية بكافة قطاعاتها، أن من أهم مميزات العمل العسكري هو الانضباط والربط العسكري، أي بمعنى أن الأوامر العسكرية التي تصدرمن الرئيس للمرؤوس لا تناقش، وإنما تنفذ مهما كانت الأسباب، على قاعدة (نفذ ثم ناقش). لذلك نجد أن من مميزات العمل بالمؤسسات العسكرية الأمنية والعسكرية وفي جميع دول العالم مهما
تشعبت واختلفت مسمياتها أنها تتميز بالتنظيم والإنضباط، لذا عند دخولك
لتلك المؤسسات تجدها أشبه بخلية النحل كلٌ ملتزم بواجباته على أكمل وجه بالمهام الموكولة إليه.
الانضباط كلمة شائعة بين الناس، نحبذ استخدامها في حياتنا اليومية للتعبير عن رغباتنا في أن ننجز
جميع متطلباتنا واحتياجاتنا وأهدافنا الحياتية بالشكل الصحيح، وهي غاية تسعى لتطبيقها جميع دول
العالم، وأعتقد بل أجزم أن مصطلحي الانضباط والالتزام، وإن كانت تتميز بهما المؤسسات العسكرية،
فهما كلمة السر لنجاح وتحضر وتقدم الشعوب، وهي الركيزة الأساسية للنهج الديمقراطي، ومن أهم
مقومات دولة القانون. فمهما امتلكت الدولة من مؤسسات وقوانين وأنظمة، ومهما كان شكل النظام
لديها، فإذا لم يكن هناك التزام وانضباط في التطبيق فليس هناك لتلك القوانين أي أثر أو قيمة تذكر،
وهي بالتالي تنعكس سلبا على النظام السياسي والمجتمع على حدا سواء. فتكون النتيجة دولة
فوضوية أدواتها الفساد والواسطة والمحسوبية والاستقواء والتنمر، والكثير من المرادفات والمصطلحات
التي نستخدمها للتعبير عن عدم رضانا عما ما نراه في حياتنا.
إنني أعلم أن الانضباط العسكري له أسبابه الضرورية، ويعني بالمفهوم العسكري الحفاظ على أرواح
منتسبيها، وهي تعني أيضا الحفاظ على أمن ومقدرات الدولة، من أي اعتداء خارجي أو داخلي، إنني وإن
كنت لست من دعاة تطبيق النهج العسكري على النهج المدني للدولة، لاختلاف الغاية والفكر والمنهج،
ولكنني أردت القول إن روح القاعدة القانونية مهما كان مصدرها مبنية اصلاً على الالتزام بالتطبيق، وإن
الرادع لمخالفتها (الجزاء أو العقوبة) التي نعلم أن من أمنها أساء الأدب. فالالتزام بتطبيق القانون هو ثقافة
مسلكية أساسها القناعة بأنها في نفس الوقت تحقق مصلحة خاصة ومصلحة عامة للأفراد والمجتمع على حدا سواء. وهي المعيار الحقيقي لنهضة وتقدم الشعوب. وأعتقد أنك اذا ما أردت معرفة معيار تحضر اي شعب في العالم، ما عليك إلا أن تنظر الى مدى التزامهم بتطبيق القوانين، من خلال سلوكياتهم الحياتية اليومية، ابتداءً من احترامهم لقواعد المرور ونظافة بلدانهم، إنتهاءً بأعلى حقوقهم
الدستورية. وإن مناقشة القوانين أو الاعتراض عليها أو المطالبة بتغييرها في الحياة المدنية، تتم عبر القنوات والوسائل والأدوات المخصصة لذلك التي يوفرها النظام القانوني، من خلال مؤسسات المجتمع الرسمية والمدنية مثل: البرلمان والأحزاب والنقابات. وفي النهاية أقول إن دولة القانون هي الدولة التي لدى شعبها ثقافة مجتمعية، واحترام وقدسية الالتزام بتنفيذ القوانين والأنظمة، وهي الدولة التي تحظى
باحترام شعوبها لالتزامها هي أولاً بالقوانين والأنظمة، وعلى كل حال لست هنا من يصدر الأحكام المسبقة، فلننظر الى أنفسنا ونحكم جميعا أين نحن من ذلك؟