جريدة عالم السياحة والاقتصاد، تهتم بصناعة السياحة باطيافها ، الشؤون الاقتصادية والبيئة والسياحة الدينية والمغامرة والسفر والطيران والضيافة

متحف اللاذقية الوطني… جزء من تاريخ سوريا

1٬148

إن زرت يوماً ما مدينة اللاذقية البحرية في سوريا، فلا بد أن تمر أمام بناء أثري أنيق بحجارته وشكل بنائه. إنه المتحف الوطني، أهم المعالم التاريخية في محافظة اللاذقية والذي يضم أهم مكتشفاتها الأثرية.

يتوسط المتحف الجهة الغربية من المدينة قرب الواجهة البحرية مقابل الميناء، ويحتل موقعاً محورياً بالنسبة إلى المدينة القديمة، تبلغ مساحته 2500 متر مربع، وتحيط به حديقة كبيرة تحتوي أشجاراً عملاقة عمرها مئات السنوات، تعد قيمة مضافة للمتحف لاحتوائها على عدد كبير من المنحوتات الأثرية على اختلاف أنواعها.

شهد المتحف مراحل مهمة من تاريخ سوريا وتغيرت استخداماته عبر تاريخه الطويل، حيث كان في الأصل خاناً (فندق)، نزل فيه المسافرون من تجار وحجاج يسعون إلى مكان آمن لخيولهم وبضاعتهم. ثم استخدم في ما بعد مقر إقامة للحاكم العثماني، ليصبح عام 1898 مقراً لشركة التبغ، ثم مقراً للمندوب السامي الفرنسي عام 1932 وسمي المندوبية، وصولاً إلى عام 1978 حيث انتقلت ملكيته إلى المديرية العامة للآثار والمتاحف ليفتتح في منتصف الثمانينيات كمتحف وطني لمدينة اللاذقية.

عمارة البناء

يتألف البناء من طابقين، الطابق الأول بناه العثمانيون في القرن السابع عشر، وهو مؤلف من فسحة سماوية مربعة الشكل تحيط بها مجموعة من الأروقة من جهاتها الأربعة، مصممة على الطراز العثماني وتجسد الفن والحرفة التي كان يحملها معماريو تلك الحقبة الزمنية، وتضم العديد من القناطر والعقود والأقبية السريرية.

ويحتوي المبنى في واجهته الأمامية خمس فتحات على شكل قنطرة يعلو كل منها عقد حجري متقن التصميم، وتطل بعض الفتحات على قطع أثرية فنية تعود إلى فترات زمنية مختلفة، من هذه القطع:

تمثال مقاتلة جريحة من الأمازونيات: يعتبر تحفة فنية وهو عبارة عن منحوتة لامرأة تفكك ثوبها لتظهر مكان إصابتها. هذا التمثال نسخة رومانية رخامية تعود إلى القرن الثاني الميلادي، وهو من تصميم النحات الروماني سوسيكولز.

تمثال حامل الرمح: وهو تمثال رخامي بديع من العصر الروماني يمثل دوريفوروس وهو شاب حامل للرمح بيده اليسرى، يعتبر من أشهر نماذج تماثيل العصور اليونانية القديمة الكلاسيكية صممه النحات اليوناني العظيم بوليكليتوس.

أما الطابق الثاني فقد بناه الفرنسيون عام 1904، وهو عبارة عن مجموعة غرف تتقدمها شرفتان من كل جانب تحتوي كل شرفة على ثلاث قناطر ذات قوس حجري مسنن تستند نهايتها على عمود رخامي ذي تصميم بسيط.

قاعات العرض

يقابلك في الطابق الأول عند وصولك للمبنى بوابة صغيرة تقودك إلى ممر واسع مقبب يتقدمه على جهة اليسار درج حجري ذو تصميم قديم يقود للطابق الثاني، يأتي بعده مكتبة ثم مجموعة فتحات تطل على الفسحة السماوية في الوسط، وتزين كل فتحة مجموعة من التماثيل والنصب الحجرية.

يمتد على جهة اليمين ست غرف كبيرة تستخدم كقاعات عرض لمقتنيات أثرية تعود إلى فترات زمنية مختلفة، تتقدمها قاعتان للآثار القديمة. تضم القاعة الأولى آثار موقع ابن هاني الأثري المعاصر لمدينة أوغاريت، أهمها الدمى الفخارية ذات أشكال إنسانية وحيوانية ومجموعة من الأختام الأسطوانية المستخدمة في توثيق الأعمال التجارية وأدوات ورؤوس حراب مصنوعة من البرونز، إضافة إلى قالب لصب السبائك البرونزية والنحاسية التي كانت تستخدم أساساً للتبادل التجاري بين دول حوض المتوسط، وتضم القاعة الثانية الآثار المكتشفة في موقع أوغاريت وهي نماذج من الفخار البسيط والملون والمزين بأشكال بحرية ومجموعة هامة من الرقم الفخارية المكتوبة باللغة الأوغاريتية والآكادية وتمثال للإله إيل ومجموعة من الأواني المصنعة من المرمر ونسخة كوبي عن الأبجدية المكتشفة في أوغاريت.

أما القاعة الثالثة فهي مخصصة للآثار الكلاسيكية (يوناني – روماني – بيزنطي)، تضم مجموعة من النقود الفضية والبرونزية والتماثيل البشرية والأواني الفخارية المتنوعة الأشكال والحجوم وقوارير من الزجاج والسرج الفخارية ذات زخارف إنسانية ونباتية تعكس صوراً من حياة المجتمع الدينية والفنية والاجتماعية ونماذج من المصنوعات العظمية والعاجية يعود تاريخها إلى ما بين القرن الثالث قبل الميلاد وحتى القرن الخامس الميلادي.

القاعة الرابعة زاخرة بالآثار الإسلامية، حيث تضم ست خزائن عرض فيها نماذج من السيراميك الذي ازدهرت صناعته في العصر الإسلامي، إضافة إلى مجموعة هامة من النقود البرونزية والفضية وكنز من الدنانير الذهبية الأموية وقميص من الزرد المعدني وسيف صفوي ومصحف كريم يرجع إلى بداية القرن العشرين.

بدأت عمليات التنقيب في بداية عام 2014 (اندبندنت عربية)

أما محبو الفن الحديث فقد خصصت لهم القاعة الخامسة التي تحتوي على 30 لوحة زيتية مرسومة من واقع الساحل وطبيعته الجميلة خطتها يد فنانين تشكيليين سوريين، كما تضم هذه القاعة تماثيل جصية وخشبية وحجرية.

ينتهي الممر بقاعة سادسة تستخدم كمستودع لحفظ وأرشفة الآثار المكتشفة في محافظة اللاذقية.

الجدير ذكره أن هذه القطع موثقة حيث تحمل كل قطعة هوية إلكترونية وبطاقة تعريفية تعطي فكرة كاملة عنها، تحتوي شكل القطعة وأبعادها ولونها ومواصفاتها وإلى أي عصر تعود، بالإضافة إلى صور فوتوغرافية قديمة تعرض القطعة في فترات أخرى.

حديقة المتحف وبعض مقتنياتها

لا يقتصر عرض الآثار على الغرف الداخلية للمتحف بل يمتد إلى حديقته التي تعرض عدداً كبيراً من المنحوتات الأثرية الحجرية ذات القيمة الفنية العالية، حيث يجذب نظرك وأنت تتجول في الحديقة إفريز (عتبة توضع فوق الأعمدة) عبارة عن لوحة فنية متكاملة تحتوي نقوشاً منحوتة بأشكال أزهار وأوراق وحيوانات، ومفرغة بطريقة عالية الحرفية.

وفي مكان آخر، تجد نقش ضريح لديمتريوس وهو عبارة عن نصب جنائزي محفور عليه نقش يوناني يقول “كراتيا ابنة ثيودوسيوس، لزوجها ديمتريوس، لذكراه…”. كما تجد نموذجاً على شكل بسيط للأضرحة الحجرية الضخمة التي استخدمت في العصور الكلاسيكية، والعديد من التيجان الكورنثية والأعمدة والتوابيت.

اكتشافات حديثة

بدأت عمليات التنقيب في بداية عام 2014 وكان الهدف منها إجراء عملية توثيق أكبر للمتحف من طريق سبر حديقته لمعرفة تسلسل الطبقات السفلية لأرضها، حيث عثر على عمق أربعة أمتار على جدران بناء ضخم يرجح أن يكون معبداً أو جزءاً من مبنى مهم يعود للفترة الهلنستية أو بداية الفترة الرومانية. كما عثر على أعمدة ضخمة طولها 4 أمتار مؤلفة من ثلاث قطع مركبة، ما زالت تحافظ على شكلها العام ولم تؤثر فيها الزلازل المتتالية على المدينة، إضافة إلى أجزاء من تيجان كورنثية والعديد من القطع البرونزية والفخارية.

كما اكتشف على الجهة الشمالية الغربية من حديقة المتحف وعلى بعد 70 متراً منه سرداب سري، يعتقد أن يكون مَلكياً، بطول 100 متر وعلى عمق أربعة أمتار تحت الأرض، وهو يصل المدينة بالبحر.