كتب الدكتور هزاع عبدالعزيز المجالي :الدولة المدنية بين الطائفية والقبلية
880
مشاركة
الدولة المدنية بين الطائفية والقبلية
يخطئ من يظن أن المفهوم السياسي للدولة المدنية هو مفهوم معاصر وحديث، فالقارئ للتاريخ يعلم أن ما وصلت إليه الدول الأوروبية وغيرها من تحضر، هو نتاج صراع مرير امتد لقرون طويلة، ما بين السلطة الدينية والسلطة الإقطاعية وصراع وحروب أهلية فيما بين هؤلاء, إلى أن استطاعت الثورات الفكرية التنويرية أو العلمانية الإنتصار في نهاية المطاف نحو الوصول الى مفهوم جديد لعقد إجتماعي ينظم العلاقة ما بين الحاكم والمحكوم, على أسس الدولة المدنية التي استطاعت أن تنقل تلك المجتمعات إلى مرحلة جديدة, كانت سبباً ومقدمة للثورة الصناعية وما تبعها من ثورات علمية, الى أن وصلت الى ما وصلت إليه الآن. نعلم جميعا أن الوطن العربي من أقصاه الى أقصاه كان ومازال يعاني من إزدواجية في الإنتماء الفكري (العقائدي، الديني، الإجتماعي، القبلي، العرقي) رغم مرور فترة زمنية طويلة على إنشاء الدولة المدنية، عجزت تلك الدول على توظيف تلك العقائد في شكل من أشكال الديمقراطية أو دولة القانون أو دولة الحق, وجميعها وإن اختلفت مسمياتها, تفضي بالنتيجة الى دولة العدالة القائمة على المساواة, التي تلغي الفوارق ما بين الناس مهما كانت إنتماءاتهم
إن التحدي الأكبر الذي تواجهه منطقتنا العربية, يكمن في فهم معنى وجوهرمفهوم الدولة المدنية التي نحتاج لإنتاجها، وإلى إمكانية إقناع مجتمعاتنا بمختلف أطيافها أن مفهوم الدولة المدنية لا يتعارض ومبدأ الانتماء العقائدي والفكري، وأن الامر مرتبط في كيفية توظيفها في خدمة الدولة استنادا لعقد إجتماعي (دستور) يضمن ويحقق مفهوم سيادة دولة القانون على كافة الإعتبارات الأخرى. تعيش أمتنا العربية منذ عقدين حالة يمكن تسميتها بحالة (انفصام الشخصية) فهي من جهة تتمرد على كافة اشكال ومكونات النظُم السياسية الموجودة, وتسعى للتغيير، والتقدم الى الأمام, ولكن في نفس الوقت لا ترغب بالتخلي عن مكتسبات معتقداتها الفكرية والعقائدية, التي كانت جزءًا لا يتجزأ من معوقات التقدم نحو الدولة المدنية. إن ما يحصل في العراق ولبنان واليمن اليوم ليس حالة فردية, وإن كان أكثر وضوحاً وشدة من باقي الدول بسبب البعد الطائفي الذي يطغى على مكونات تلك المجتمعات والنظام السياسي لديها، فجميع مجتمعات الدول العربية الأخرى لديها ايضا نفس الإشكاليات وإن كانت تتفاوت حدتها وطبيعتها, ما بين الطائفية والقبلية والعرقية, وإن كانت غير متحركة, أي لم تصل الى مرحلة الصدام, فهي قنابل موقوتة يمكن العبث بها وتفجيرها, مهما كانت طبيعة شدة النظام السياسي. فالمطلوب فقط هو خلق مناخ واسباب ملائم لتحقيق هذه الغاية, مثل الأزمات الإقتصادية وارتفاع نسبة الفقر والبطالة, إضافة الى غياب العدالة والمساواة وانتشار الفساد كأسباب لتحقيق ما هو مطلوب